فانظر رحمك الله تعالى إلى من يكون دهن الشمع عنده في إناء قيمته خمسمائة دينار ، ودهن الشمع لا يكاد أكثر الناس يحتاج إليه ، فماذا تكون ثيابه وحلي نسائه وفرش داره وغير ذلك من التجملات؟ وهذا إنما هو حال قاضي الإسكندرية ومن قاضى الإسكندرية بالنسبة إلى أعيان الدولة بالحضرة؟! وما نسبة أعيان الدولة وإن عظمت أحوالهم إلى أمر الخلافة وأبّهتها إلا يسير حقير.
وما زال الخليفة الآخر يتردد إلى الهودج المذكور إلى أن ركب يوم الثلاثاء رابع القعدة سنة ٥٢٤ يريد الهودج ، وقد كمن له عدة من النزارية (١) على رأس الجسر من ناحية الروضة ، فوثبوا عليه ، وأثخنوه بالجراحة ، وحمل في العشاريّ إلى اللؤلؤة (٢) ، فمات بها ، وقيل : قبل أن يصل إليه ، وقد خرب هذا الهودج ، وجهل مكانه من الروضة ، ولله عاقبة الأمور ، نقل ذلك كله الحافظ المقريزي ، رحمه الله تعالى!.
قال النور بن سعيد ، ومن خطه نقلت : لما نزلنا بتلّعفر (٣) حين خرجنا من سنجار إلى الموصل سألت أحد شيوخنا عن والد شهاب الدين التّلّعفري ، فقال : أنا أدركته ، وكان كثير التجول ، وأنشدني لنفسه في عيد أدركه في غير بلده : [بحر السريع]
يبتهج الناس إذا عيّدوا |
|
وعند سرّائهم أكمد |
لأنني أبصر أحبابهم |
|
ومقلتي محبوبها تفقد |
قال : وخرج ابنه الشهاب أجول منه شخصا ، وشعرا ، وصدق فيما قاله.
وأنشد ابن سعيد للشهاب التلعفري : [بحر الخفيف]
لك ثغر كلؤلؤ في عقيق |
|
ورضاب كالشّهد (٤) أو كالرّحيق(٥) |
__________________
(١) النزارية : فرقة ترى تسلسل الإمامة في الخلفاء الفاطميين حتى نزار بن المستنصر ولا يرون إمامة من بعده ، وتطعن في إمامة المستعلي. وفي ابن خلكان : فكمن له قوم بالأسلحة وتواعدوا على قتله في السكة التي يمر فيها إلى فرن هناك ، فلما مرّ بهم وثبوا عليه.
(٢) العشاري : ضرب من السفن. ومنظرة اللؤلؤة : متنزه الخلفاء الفاطميين وكانت بها قصورهم.
(٣) تلعفر : أصلها تل أعفر أو تل يعفر ، فغير مع الزمن طلبا للخفة. وهو اسم قلعة وربض بين سنجار والموصل في وسط واد فيه نهر جار. وهي على جبل منفرد ، حصينة محكمة (معجم البلدان ج ٢ ص ٣٩) وفيها شهاب الدين التلعفري الشاعر وهو محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة. كان خليعا مقامرا. توفي سنة ٦٧٥ ه.
(٤) الشهد : العسل.
(٥) الرحيق : الخمر.