عليه انغلق الباب برجوع الدّفتين إلى موضعهما من تلقائهما دون أن يمسهما أحد ، وترتبت هذه الحركات الأربع على حركة المفتاح فقط دون تكلف شيء آخر ، فإذا أدير المفتاح إلى خلف الجهة التي أدير إليها أولا انفتح الباب وأخذ الكرسي في الدخول والمحمل في التأخر عن مقدم الكرسي إلى مؤخره ، فإذا عاد كل إلى مكانه انسدّ الباب بالدفتين أيضا من تلقائه ، كل ذلك يترتب على حركة المفتاح ، كالذي كان في حال خروجه ، وصحّت هذه الحركات اللطيفة على أسباب ومسبّبات غائبة عن الحس في باطن الكرسي ، وهي مما يدقّ وصفها ، ويصعب ذكرها ، أظهرتها بركات هذا الأمر السعيد ، وتنبيهات سيدنا ومولانا الخليفة ، أدام الله تعالى أمرهم! وأعز نصرهم!.
وفي خلال الاشتغال بهذه الأعمال التي هي غرر الدهر ، وفرائد العمر ، أمروا. أدام الله تعالى تأييدهم! ـ ببناء المسجد الجامع بحضرة مراكش ـ حرسها الله تعالى! ـ فبدىء ببنائه (١) وتأسيس قبلته في العشر الأول من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وكمل منتصف شعبان المكرم من العام المذكور ، على أكمل الوجوه ، وأغرب الصنائع ، وأفسح المساحة ، وأبعد البناء والنجارة ، وفيه من شمسيات الزجاج ودرجات (٢) المنبر والمقصورة ما لو عمل في السنين العديدة لاستغرب تمامه ، فكيف في هذا الأمد (٣) اليسير الذي لم يتخيل أحد من الصّنّاع أن يتم فيه فضلا عن بنائه؟ وصليت فيه صلاة الجمعة منتصف شعبان المذكور ، ونهضوا ـ أدام الله سبحانه تأييدهم! ـ عقب ذلك لزيادة البقعة المكرمة ، والروضة المعظمة ، بمدينة تينملّل (٤) أدام الله رفعتها ، فأقاموا بها بقية شعبان المكرم ، وأكثر شهر رمضان المعظم ، وحملوا في صحبتهم المصحف العزيز ومعه مصحف الإمام المهديّ المعلوم رضي الله تعالى عنه في التابوت الموصوف ، إذ كان قد صنع له غرفة في أعلاه ، وأحكمت فيه إحكاما كمل به معناه ، واجتمع في مشكاته فعاد النور إلى مبتداه ، وختم القرآن العزيز في مسجد الإمام المعلوم ختمات كادت لا تحصى لكثرتها ، وهنا انتهى ما وجدناه من هذا المكتوب.
ثم قال ابن رشيد ـ بعد إيراد ما تقدّم ـ ما صورته : نجزت الرسالة في المصحف العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، انتهى محل الحاجة منه.
وما أحسن قول الشيخ الإمام أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية يستودع أهل قرطبة : [المنسرح]
__________________
(١) في ب ، ه : ببنيانه.
(٢) في ب ، ه : وحركات المنبر.
(٣) في ب : الأمر اليسير.
(٤) تينملّل : المدينة التي دفن فيها ابن تومرت.