قال : وكلهم فضّلها ، وزاد في عمارتها ، وانبرى وصّاف الشعراء لها ، فتنازعوا في (١) ذلك فيما هو إلى الآن مشهور (٢) مأثور عنهم ، مستجاد منهم.
وقال ابن سعيد : والرّمّان السّفري الذي فاض على أرجاء الأندلس ، وصاروا لا يفضلون عليه سواه ، أصله من هذه الرّصافة. وقد ذكر ابن حيّان شأنه ، وأفرد له فصلا ، فقال : إنه الموصوف بالفضيلة ، المقدّم على أجناس الرّمّان بعذوبة الطعم ، ورقة العجم ، وغزارة الماء ، وحسن الصورة ، وكان رسوله إلى الشأم في توصيل أخته (٣) منها إلى الأندلس قد جلب طرائف منها من رمّان الرّصافة المنسوبة إلى هشام ، قال : فعرضه عبد الرحمن على خواص رجاله مباهيا به ، وكان فيمن حضره منهم سفر بن عبيد الكلاعي من جند الأردن ، ويقال : هو من الأنصار الذين كانوا يحملون ألوية رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته ، قال : وهم يحملون الألوية بين يدي الخلفاء من بني أمية ، فأعطاه من ذلك الرمان جزءا فراقه حسنه وخبره ، فسار به إلى قرية بكورة ريّة ، فعالج عجمه واحتال لغرسه وغذائه وتنقيله حتى طلع شجرا أثمر وأينع ، فنزع إلى عرقه ، وأغرب في حسنه ، فجاء به عمّا قليل إلى عبد الرحمن ، فإذا هو أشبه شيء بذلك الرّصافي ، فسأله الأمير عنه ، فعرّفه وجه حيلته ، فاستبرع استنباطه (٤) ، واستنبل همته ، وشكر صنعه ، وأجزل صلته ، واغترس منه بمنية الرّصافة وبغيرها من جنّاته ، فانتشر نوعه ، واستوسع الناس في غراسه ، ولزمه النسب إليه ، فصار يعرف إلى الآن بالرمان السّفري (٥).
قال : وقد وصف هذا الرمان أحمد بن محمد بن فرح (٦) الشاعر في أبيات كتب بها إلى بعض من أهداه له ، فقال : [المتقارب]
ولابسة صدفا أحمرا |
|
أتتك وقد ملئت جوهرا |
كأنّك فاتح حقّ لطيف |
|
تضمّن مرجانه الأحمرا |
حبوبا كمثل لثات الحبيب |
|
رضابا إذا شئت أو منظرا |
وللسّفر تعزى وما سافرت |
|
فتشكو النّوى أو تقاسي السّرى |
__________________
(١) في ب ، ه : فتناغوا فيه.
(٢) «مشهور» سقط من ب.
(٣) في ب : أجنيته.
(٤) استبرع استنباطه : وجده بارعا.
(٥) الرّمّان السّفريّ : نسبة إلى سفر بن عبيد الكلاعي.
(٦) في ب : أحمد بن فرج ، وفي ج : محمد بن روح.