وفاء ، لا ينفصلان في رواح ولا مقيل ، ولا يفترقان كمالك وعقيل (١) ، وكانا بقرطبة رافعي ألوية الصّبوة ، وعامري أندية السلوة ، إلى أن اتّخذ أبو عامر في حبالة الردى وعلق ، وغدا رهنه فيها وغلق (٢) ، فانفرد أبو المغيرة بذلك الميدان ، واستردّ من سبقه ما فاته منذ زمان ، فلم تذكر له مع أبي عامر حسنة ، ولا سرت له فقرة مستحسنة ، لتعذر ذلك وامتناعه ، بشفوف أبي عامر وامتداد باعه ، وأمّا شعر أبي المغيرة فمرتبط بنثره ، ومختلط زهره بدرّه ، وقد أثبتّ له منها فنونا ، تجنّ بها الأفهام جنونا ، فمن ذلك قوله : [الكامل]
ظعنت وفي أحداجها من شكلها |
|
عين فضحن بحسنهنّ العينا |
ما أنصفت في جنب توضح إذ قرت |
|
ضيف الوداد بلابلا وشجونا |
أضحى الغرام قطين ربع فؤاده |
|
إذ لم يجد بالرّقمتين قطينا |
وله : [المنسرح]
لمّا رأيت الهلال منطويا |
|
في غرّة الفجر قارن الزّهره |
شبّهته والعيان يشهد لي |
|
بصولجان انثنى لضرب كره(٣) |
وأبو عامر بن شهيد المذكور قال في حقّه ما صورته (٤) :
الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد الأشجعي ، عالم بأقسام البلاغة ومعانيها ، حائز قصب السبق فيها ، لا يشبهه أحد من أهل زمانه ، ولا ينسق ما نسق من درّ البيان وجمانه ، توغل في شعاب البلاغة وطرقها ، وأخذ على متعاطيها ما بين مغربها ومشرقها ، لا يقاومه عمرو بن بحر (٥) ، ولا تراه يغترف إلا من بحر ، مع انطباع ، مشى في طريقه بأمدّ باع ، وله الحسب المشهور ، والمكان الذي لم يعده ظهور (٦) ، وهو من ولد الوضاح ، المتقلد تلك المفاخر والأوضاح ، والضحاك صاحب يوم المرج (٧) ، وراكب ذلك الهرج ، وأبو عامر حفيده هذا من ذلك النسب ، ونبع لا يراش إلا من ذلك الغرب ، وقد أثبتّ له ما هو بالسحر لا حق ، ولنور المحاسن ما حق ، فمن ذلك قوله : [البسيط]
إنّ الكريم إذا نابته مخمصة |
|
أبدى إلى النّاس ريّا وهو ظمآن(٨) |
__________________
(١) مالك وعقيل : هما نديما جذيمة الأبرش.
(٢) في ب : فيها قد غلق.
(٣) في ب : بصولجان أوفى.
(٤) المطمح ص ١٩.
(٥) عمرو بن بحر : هو أبو عثمان الجاحظ.
(٦) لم يعده : لم يتجاوزن. وفي ب : للظهور.
(٧) في ب : وصاحب الضحاك يوم المرج.
(٨) المخصمة : خلو البطن من الطعام ، المجاعة.