تأصيلا لها وتفريعا ، ومثلكم من اغتنم بره في نصر مظلوم ، وسبر مكلوم ، وإعداء كرم على لوم ، وهي منا ذكرى تنفع ، وحرص على أجر من يشفع ، وإسعاف لمن سأل ما يعلى من قدركم ويرفع ، وتأدية لحق سلفكم الذي توفرت حقوقه ، وإبلاغ نصيحة دينية إلى مجدكم الذي لا يمنعه عن المجد مانع ولا يعوقه ، ومطلبه في جنب ملككم الكبير حقير ، وهو إلى ما يفتح الله تعالى به على يد صدقتكم فقير ، ومنهلكم الأروى ، وباعكم في الخير أطول وساعدكم أقوى (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٧] والله عز وجل يسلك بكم المسالك التي تخلد بالجميل ذكركم ، وتعظم عند الله أجركم ، فما عند الله خير للأبرار ، والدنيا دار الغرور والآخرة دار القرار ، وهو سبحانه يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، انتهى.
والسلطان المخاطب بهذا هو أبو فارس عبد العزيز ابن السلطان الكبير الشهير أبي الحسن المريني ، وكان ابن مرزوق غالبا على دولة السلطان أبي سالم أخي أبي فارس المذكور ، فقتله الوزير عمر بن عبد الله
الفودودي ، وتغلب على الملك ، ونصب أخا لأبي سالم معتوها ، وسجن ابن مرزوق ، ورام قتله ، فخلصه الله تعالى منه ، ثم إن السلطان أبا فارس ثار على الوزير المتغلب وقتله ، واستقل بالملك ، فخوطب في شأن ابن مرزوق بما ذكر.
رجع إلى ما كنا فيه من ذكر الراحلين من أعلام الأندلسيين إلى البلاد المشرقية المحروسة بالله سبحانه وتعالى ، فنقول :
٧٢ ـ ومنهم أبو الوليد وأبو محمد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر ، الأزدي ، القرطبي ، المعروف بابن الفرضي ، الحافظ المشهور (١).
كان فقيها عالما ، عارفا بعلم الحديث ورجاله ، بارعا في الأدب وغيره ، وله من التصانيف «تاريخ علماء الأندلس» ، وقفت عليه بالمغرب ، وهو بديع في بابه وهو الذي ذيل عليه ابن بشكوال بكتاب «الصلة» وله كتاب حسن في المؤتلف والمختلف وفي مشتبه النسبة ، وكتاب في أخبار شعراء الأندلس ، وغير ذلك ، ورحل من الأندلس إلى المشرق سنة ٣٨٢ ، فحج وسمع من العلماء وأخذ منهم وكتب من أماليهم ، وروى عن شيوخ عدّة من أهل المشرق.
__________________
(١) جاء في شذرات الذهب : أبو الوليد الفرضي عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي الحافظ ، مؤلف تاريخ الأندلس إلخ. (الشذرات ج ٣ ص ١٦٨). وانظر ترجمته في الصلة ص ٢٤٦ ، والمطمح ص ٥٧ ، ووفيات الأعيان ج ٢ ص ٢٩٠.