لم يأذن في تعجيله ، وسألناه في تيسيره وتسهيله ، سواء لدينا في ذلك ما عاد ، بإعانة عامة وإمداد ، وساهم في قصد جهاد ، وما لم يعد علينا خصوصا وعلى المسلمين عموما بإعانة ولا إرفاد ، إنما علينا أن نجلب الخير الباقي والأجر الراقي إلى بابكم ، وندلّ عليه كريم جنابكم ، بمقتضى وداد ، صبحه باد ، وجميل ظن في دينكم المتين واعتقاد ، سلم محمله ومفصّله من انتقاد ، وذلك أن الشيخ الخطيب الفقيه الكبير الشهير الصدر الأوحد العلامة (١) سلالة الصالحين ، وخطيب والدكم كبير الخلفاء والسلاطين ، ويا لها من مزية دنيا ودين ، أبا عبد الله بن مرزوق جبر الله تعالى على يدكم البرة حاله ، وسنّى من مقامكم السني آماله ، جرى عليه من المحن ، وتباريح الإحن (٢) ، ما يعلم كل ذي مروءة وعقل ، واجتهاد ونقل ، أن ذلك من الجنايات على والدكم السلطان محسوب ، وإلى معقّاته منسوب ، ولو كانت ذنوبه رضوى وثبيرا (٣) ، لاستدعت إلى تعمدها عفوا كبيرا ، رعيا لذلك الإمام الصالح الذي كبّر خلفه وأحرم ، وتشهد وسلم ، وأمّن عقب دعائه ، ونصب كفه لمواهب الله تعالى وآلائه ، وأنصت لخطبته ووعظه ، وأوجب المزية لسعة حفظه وعذوبة لفظه ، فأحبط ذلك من أحبط الأعمال الصالحة ، وعطّل المتاجر الرابحة ، وأسف الملك المذكور بدم ولده ، وإحراق خزائنه وعدده ، وتغيير رسومه وحدوده وإسخاطه وإسخاط الله معبوده ، إلى أن طهر سيفكم الملك من عاره ، وأخذ منه بثاره ، وتقرب إلى الله وإلى السلف الكريم بمحو آثاره ، والحمد لله على ما خصّه من إيثاره ، وتدارك الإسلام بإقالة عثاره ، وإنه خاطبنا الآن من حضرة تونس يقرر من حاله ما يفتّ الفؤاد ، ويوجب الامتعاض له والاجتهاد (٤) ، يطلب منا الإعانة بين يديكم والإنجاد ، ويشكو العيلة والأولاد ، والغربة التي أحلّته الأقطار النازحة والبلاد ، والحوادث التي سلبته الطارف والتّلاد ، وأن نذكركم بوسيلته ، وضعف حيلته ، فبادرنا لذلك عملا بالواجب ، وسلوكا من بره ورعي حقه على السّنن اللاحب (٥) ، وإن كنا نطوقه في أمرنا عند الحادثة علينا تقصيرا ، ولا نشكر إلا الله وليا ونصيرا ، فحقه علينا أوجب ، فهو الذي لا يجحد ولا يحجب ، ولا يلتبس منه المذهب ، وكيف لا يشفع فيمن جعله السلف إلى الله تعالى شفيعا ، وأحلّه محلا منيعا رفيعا ، إلى وليه الذي جبر ملكه سريعا ، وصير جنابه بعد المحول مريعا (٦) ، وجدد رسومه
__________________
(١) في ب : الأوحد سلالة ..
(٢) في ه : ونتائج الإحن. وتباريح : جمع تبريح. والإحن : جمع إحنة وهي الحقد.
(٣) رضوى وثبير : جبلان.
(٤) الامتعاض : الحنق والغصب.
(٥) السنن اللاحب : الطريق الواضح البيّن.
(٦) المريع ، بفتح الميم وكسر الراء : الخصيب.