على الغلط ، وليس كذلك ، وإنما السبب الحامل لذلك جلب كلام الناس بعباراتهم ، والناقد البصير لا يخفاه مثل هذا ، وربما يقع التكرار ، وذلك من أجل ما ذكر ، والله أعلم.
وتذكرت بما وصفه من مجلس الناصر ما حكاه غير واحد عن القصر العظيم الذي شاده ملك طليطلة المأمون ابن ذي النّون بها ، وذلك أنه أتقنه إلى الغاية ، وأنفق عليه أموالا طائلة ، وصنع في وسطه بحيرة ، وصنع في وسط البحيرة قبة من زجاج ملوّن منقوش بالذهب ، وجلب الماء على رأس القبة بتدبير أحكمه المهندسون ، فكان الماء ينزل من أعلى القبة على جوانبها محيطا بها ويتصل بعضه ببعض ، فكانت قبة الزجاج في غلالة مما سكب (١) خلف الزجاج لا يفتر من الجري ، والمأمون قاعد فيها لا يمسه من الماء شيء ولا يصله ، وتوقد فيها الشموع فيرى لذلك منظر بديع عجيب ، وبينما هو فيها مع جواريه ذات ليلة إذ سمع منشدا ينشد :[الطويل]
أتبني بناء الخالدين ، وإنّما |
|
مقامك فيها لو علمت قليل(٢) |
لقد كان في ظلّ الأراك كفاية |
|
لمن كلّ يوم يقتضيه رحيل |
فنغص عليه حاله ، وقال : إن لله وإنا إليه راجعون ، أظن أن الأجل قد قرب ، فلم يلبث بعدها غير شهر وتوفي ، ولم يجلس في تلك القبة بعدها ، وذلك سنة ٤٦٧ ، تجاوز الله تعالى عنه! هكذا حكاه بعض مؤرخي المغرب.
وقد ذكر في غير هذا الموضع من هذا الكتاب حكاية هذه القبة بلفظ ابن بدرون شارح العبدونية فليراجع.
وتذكرت هنا قول أبي محمد المصري في صفة قصر طليطلة : [الكامل]
قصر يقصّر عن مداه الفرقد |
|
عذبت مصادره وطاب المورد |
نشر الصّباح عليه ثوب مكارم |
|
فعليه ألوية السّعادة تعقد |
وكأنّما المأمون في أرجائه |
|
بدر تمام قابلته أسعد |
وكأنّما الأقداح في راحاته |
|
درّ جماد ذاب فيه العسجد(٣) |
وله في صفة البركة والقبة عليها : [السريع]
__________________
(١) في ه : من ماء سكب خلف الزجاج.
(٢) في ب ، ه : بقاؤك فيها لو علمت قليل.
(٣) العسجد : الذهب.