وحكي أن يحيى الغزال أراد أن يعارض سورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) [الإخلاص : ١] فلما رام ذلك أخذته هيبة وحالة لم يعرفها ، فأناب إلى الله ، فعاد إلى حاله.
وحكي أن عباس بن ناصح الثقفي قاضي الجزيرة الخضراء (١) كان يفد على قرطبة ويأخذ عنه أدباؤها ومرت عليهم قصيدته التي أولها : [بحر الطويل]
لعمرك ما البلوى بعار ولا العدم |
|
إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرم |
حتى انتهى القارئ إلى قوله :
تجاف عن الدنيا فما لمعجّز |
|
ولا عاجز إلا الذي خطّ بالقلم |
فقال له الغزال ، وكان في الحلقة ، وهو إذ ذاك حدث نظام متأدب ذكي القريحة : أيها الشيخ ، وما الذي يصنع مفعّل مع فاعل؟ فقال له : كيف تقول؟ فقال : كنت أقول : فليس لعاجز ولا حازم ، فقال له عباس : والله يا بني لقد طلبها عمّك فما وجدها.
وأنشد يوما قوله من قصيدة : [بحر الطويل]
بقرت بطون الشعر فاستفرغ الحشى (٢) |
|
بكفي حتى آب خاويه من بقري(٣) |
فقال له بكر بن عيسى الشاعر : أما والله يا أبا العلاء ، لئن كنت بقرت الحشى (٤) لقد وسخت يديك بفرثه (٥) ، وملأتهما بدمه ، وخبثت (٦) نفسك بنتنه ، وخشمت أنفك (٧) بعرفه ، فاستحيا عباس وأفحم عن جوابه.
١٦٦ ـ ومنهم الشهير بالمغارب والمشارق ، المحلي بجواهره صدور المهارق (٨) ، أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد العنسي.
متمم كتاب «المغرب ، في أخبار المغرب» قال فيه : وأنا أعتذر في إيراد ترجمتي هنا بما
__________________
(١) الجزيرة الخضراء : بالأندلس ، بينها وبين مدينة قلشانة أربعة وستون ميلا (صفة جزيرة الأندلس ص ٧٣).
(٢) في ب : «الحشا».
(٣) بقر الشيء بقرا : شقّه.
(٤) في ب : «الحشا».
(٥) الفرث : السرجين ما دام في الكرش.
(٦) في ب : «خبّثت نفسك».
(٧) خشم الأنف : تغيرت ريحه.
(٨) المهارق : جمع مهرق وهو الصحيفة البيضاء.