وجاور بالمدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام ، وأفتى بها ، وافتخر بذلك على أصحابه ، وقال : لقد شوورت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم دار مالك بن أنس ومكان شوراه ، ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم ، وكان من أهل العلم والذكاء والحفظ والفهم ، عارفا بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء ، ذاكرا للروايات ، يحفظ المدونة والنوادر لابن أبي زيد ، ويوردها من صدره دون كتاب.
قال ابن حيان مؤرخ الأندلس : توفي الفقيه المشاور الحافظ المستبحر (١) الرواية ، الطويل الهجرة في طلب العلم ، الناسك المتقشف بمدينة بلنسية في ربيع الأول سنة ٤١٧ لعشر خلون من الشهر ، وكان الحفل في جنازته عظيما ، وعاين الناس فيها آية من ظهور أشباه الخطاطيف بها تجللت الجمع زافّة (٢) فوق النعش لم تفارق نعشه إلى أن ووري ، فتفرقت ، ومكث مدة ببلنسية مطاعا عظيم القدر عند السلطان والعامة.
وذكر جماهر بن عبد الرحمن حديث الطير ، وكذا ذكر الحسن بن محمد القبّشي خبر الطير.
قال : وكانت سنه نحو الثمانين سنة ، وكان مجاب الدعوة ، وظهرت في دعوته الإجابة.
وقال أبو عمرو الداني : إن وفاته يوم السبت لسبع خلون من شهر ربيع الأول سنة تسع عشرة وأربعمائة ، ودفن يوم الأحد بمدينة بلنسية ، وبلغ نحو ست وسبعين سنة ، وهو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العاملين (٣) بالكتاب والسنة بالأندلس ، رحمه الله تعالى!.
٣٤ ـ ومنهم أبو عبد الله محمد بن عمروس القرطبي ـ سمع علي بن مفرج وغيره من شيوخ قرطبة ، وقدم مصر فأخذ بها عن ابن المهندس وغيره ، وحج ودخل العراق ، وسمع من أبي بكر الأبهري والدارقطني وجماعة ، وعاد إلى الأندلس ، وشهر بالعلم والمال ، وولي الأحباس بقرطبة ، حدث عنه أبو عمر بن عبد البر وغيره ، ومات في جمادى الآخرة سنة أربعمائة ، رحمه الله تعالى!.
٣٥ ـ ومنهم أبو عبد الله محمد بن عيسى بن عبد الواحد بن نجيح ، المعافري (٤) ،
__________________
(١) في ب ، ه : المتبحر.
(٢) في ب : رافّة ، والخطاطيف : جمع خطاف ، وهو طائر أسود في حجم العصفور ، وتجللت : غطت. وزافة : أي كان لها صوت.
(٣) في ب ، ه : العالين.
(٤) انظر : ابن الفرضي ج ٢ ص ٧ ، والجذوة : ص ٦٩.