رباعه ، وكلهم يحييه بكاس ، ويفديه بنفسه من كل باس ، فطابت له ليلته في مشيده ، وأطربه الأنس ببسيطه ونشيده ، فقال : [الخفيف]
كلّ قصر بعد الدّمشق يذمّ |
|
فيه طاب الجنى وفاح المشمّ |
منظر رائق ، وماء نمير |
|
وثرى عاطر ، وقصر أشمّ |
بتّ فيه واللّيل والفجر عندي |
|
عنبر أشهب ومسك أحمّ |
وعبر صاحب البدائع عن هذه القصة بقوله : تنزه ابن عمار بالدمشق بقرطبة ، وهو قصر شيده خلفاء بني أمية وزخرفوه ، ودفعوا صرف الدهر عنه وصرفوه ، وأجروه على إرادتهم وصرّفوه ، وذهّبوا سقفه وفضّضوها ، ورخّموا أرضه وروّضوها ، فبات به والسعد يلحظه بطرفه ، والروض يحييه بعرفه ، فلما استنفد كافور الصباح (١) مسك الغسق ، ورصع آبنوس الظلام نضار الشفق ، قال مرتجلا : «كل قصر بعد الدمشق يذم» إلخ ، انتهى.
وقال في ترجمة ذي الوزارتين أبي عيسى بن لبّون : أخبرني الوزير أبو عامر بن الطويل أنه كان بقصر مربيطر بالمجلس الشرقي منها (٢) ، والبطحاء قد لبست زخرفها ، ودبج الغمام مطرفها ، وفيها حدائق ترنو عن مقل نرجسها ، وتبث طيب تنفسها ، والجلنار قد لبس أردية الدماء ، وراع أفئدة الندماء ، فقال : [الكامل]
قم يا نديم أدر عليّ القرقفا |
|
أو ما ترى زهر الرّياض مفوّفا(٣) |
فتخال محبوبا مدلا وردها |
|
وتظنّ نرجسها محبّا مدنفا |
والجلّنار دماء قتلى معرك |
|
والياسمين حباب ماء قد طفا |
إلى أن قال : وشرب مع الوزراء الكتاب ببطحاء لورقة عند أخيه ، وابن اليسع غائب عنها (٤) في عشية تجود بدمائها ، ويصوب عليها دمع سمائها ، والبطحاء قد خلع عليها سندسها ، ودرّها (٥) نرجسها ، والشمس تنقض على الربا زعفرانها ، والأنوار تغمض أجفانها ، فكتب إلى ابن اليسع : [البسيط]
لو كنت تشهد يا هذا عشيّتنا |
|
والمزن يسكب أحيانا وينحدر(٦) |
والأرض مصفرّة بالشّمس كاسية |
|
أبصرت تبرا عليه الدّرّ ينتثر(٧) |
__________________
(١) في ب : الصباح به مسك.
(٢) في ب ، ه : بالمجلس المشرف منها.
(٣) القرقف : الخمر. ومفوف : مخطط وملون.
(٤) زيادة من قلائد العقيان.
(٥) في ب : ودنرها نرجسها.
(٦) في ب : والمزن تسكب أحيانا وتنحدر.
(٧) في ه ، والقلائد : والأرض مصفرة بالمزن كاسية.