آلات إيناسه ، وأظهر من أنواع ذلك وأجناسه ، ما راق من حضر ، وفاق حسنه الروض الأنضر ، والزوارق قد حفت به ، والتفّت بجوانبه ، ونغمات الأوتار تحبس السائر عن عدوه ، وتخرس الطائر المفصح بشدوه ، والسمك (١) تثيرها المكايد ، وتغوص إليها المصايد ، فتبرز منها للعين ، قضبان در أو سبائك لجين ، والراح لا يطمس لها لمع ، ولا يبخس منها بصر ولا سمع ، والدهر قد غضت صروفه ، واقتص من نكره معروفه ، فقال : [البسيط]
لله يوم أنيق واضح الغرر |
|
مفضّض مذهب الآصال والبكر |
كأنّما الدّهر لمّا ساء أعتبنا |
|
فيه بعتبى وأبدى صفح معتذر |
نسير في زورق حفّ السّفين به |
|
من جانبيه بمنظوم ومنتثر |
مدّ الشّراع به نشرا على ملك |
|
بذّ الأوائل في أيّامه الأخر(٢) |
هو الإمام الهمام المستعين حوى |
|
علياء مؤتمن عن هدي مقتدر |
تحوي السّفينة منه آية عجبا |
|
بحر تجمّع حتّى صار في نهر |
تصاد من قعره النّينان مصعدة |
|
صيدا كما ظفر الغوّاص بالدّرر(٣) |
وللنّدامى به عب ومرتشف |
|
كالرّيق يعذب في ورد وفي صدر |
والشّرب في مدح مولى خلقه زهر |
|
يذكو وغرّته أبهى من القمر |
وقال في ترجمة العلامة الكبير ، الأستاذ أبي محمد عبد الله بن السّيد البطليوسي شارح أدب الكتاب وسقط الزّند وغيرهما (٤) ، ما صورته : أخبرني أنه حضر مع المأمون بن ذي النون في مجلس الناعورة بالمنية التي تطمح إليها المنى ، ومرآها هو المقترح والمتمنى ، والمأمون قد احتبى ، وأفاض الحبا ، والمجلس يروق كأن الشّمس (٥) في أفقه ، والبدر في مفرقه (٦) ، والنّور عبق ، وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق ، والدولاب يئن كناقة إثر الحوار (٧) ، أو كثكلى من حر الأوار ، والجوّ قد عنبرته أنواؤه ، والروض قد رشّته أنداؤه ، والأسد قد فغرت أفواهها ، ومجت أمواهها ، فقال : [المنسرح]
__________________
(١) في ب ، ه : السمك (بإسقاط الواو).
(٢) بذ الأوائل : فاقهم وسبقهم.
(٣) النينان : جمع نون ، وهو الحوت.
(٤) سقط الزند : من تأليف أبي العلاء المعري. وأدب الكتاب : من تأليف أبي بكر محمد بن يحيى الصولي.
(٥) في ب ، ج : كالشمس في أفقه.
(٦) في ب : والبدر كالتاج في مفرقه.
(٧) الحوار ، بضم الحاء : ولد الناقة منذ ولادته حتى فطامه.