يحني الضّلوع على مثل اللّظى حرقا |
|
والوجه غمر بماء البشر ريّان(١) |
وهو مأخوذ من قول الرضي : [الكامل]
ما إن رأيت كمعشر صبروا |
|
عزّا على الأزلات والأزم |
بسطوا الوجوه وبين أضلعهم |
|
حرّ الجوى ومآلم الكلم |
وله أيضا : [البسيط]
كلفت بالحبّ حتّى لو دنا أجلي |
|
لما وجدت لطعم الموت من ألم |
كلا النّدى والهوى قدما ولعت به |
|
ويلي من الحبّ أو ويلي من الكرم |
وأخبرني الوزير أبو الحسين (٢) بن سراج ـ وهو بمنزل ابن شهيد ـ وكان من البلاغة في مدى غاية البيان ، ومن الفصاحة في أعلى مراتب التبيان ، وكنا نحضر مجلس شرابه ، ولا نغيب عن بابه ، وكان له بباب الصّومعة من الجامع موضع لا يفارقه أكثر نهاره ، ولا يخليه من نثر درره وأزهاره ، فقعد في ليلة ٢٧ من رمضان في لمة من إخوانه (٣) ، وأئمة سلوانه ، وقد حفّوا به ليقطفوا نخب أدبه ، وهو يخلط لهم الجدّ بهزل ، ولا يفرط في انبساط مشتهر ولا انقباض جزل ، وإذا بجارية من أعيان أهل قرطبة معها من جواريها ، من يسترها ويواريها ، وهي ترتاد موضعا لمناجاة ربها ، وتبتغي منزلا لاستغفار ذنبها ، وهي متنقبة ، خائفة ممن يرقبها مترقبة ، وأمامها طفل لها كأنه غصن آس ، أو ظبي يمرح في كناس ، فلما وقعت عينها على أبي عامر ولّت سريعة ، وتولت مروعة ، خيفة أن يشبب بها (٤) ، أو يشهرها باسمها ، فلما نظرها قال قولا فضحها به وشهرها (٥) : [المتقارب]
وناظرة تحت طيّ القناع |
|
دعاها إلى الله بالخير داعي |
سعت خفية تبتغي منزلا |
|
لوصل التبتّل والانقطاع |
فجاءت تهادى كمثل الرّؤوم |
|
تراعي غزالا بروض اليفاع |
وجالت بموضعنا جولة |
|
فحلّ الرّبيع بتلك البقاع |
أتتنا تبختر في مشيها |
|
فحلّت بواد كثير السّباع |
وريعت حذارا على طفلها |
|
فناديت يا هذه لا تراعي |
__________________
(١) اللظى : لهب النار.
(٢) ديوان الرضي : ج ٢ ص ٤٢٢.
(٣) اللمة : الجماعة.
(٤) يشبب بها : يتغزل.
(٥) ديوان ابن شهيد ص ٩٤.