يكون به هذا الصّوان المذكور طورا متصلا ، وطورا منفصلا ، ويتأتّى به للمصحف الشريف العظيم أن يبرز تارة للخصوص متبذلا وتارة للعموم متجملا ، إذ معارج الناس في الاستبصار تختلف ، وكل له مقام إليه ينتهى وعنده يقف ، فعمل فيه على شاكلة هذا المقصد ، وتلطف في تتميم هذا الغرض المعتمد ، وكسي المصحف العزيز بصوان لطيف من السندس الأخضر ، ذي حلية عظيمة (١) خفيفة تلازمه في المغيب والمحضر ، ورتب ترتيبا يتأتى معه أن يكسى بالصّوان الأكبر ، فيلتئم به التئاما يغطي على العين من هذا الأثر ، وكمل ذلك كله على أجمل الصفات وأحسنها ، وأبدع المذاهب وأتقنها ، وصنع له محمل غريب الصنعة ، بديع الشكل والصبغة (٢) ، ذو مفاصل ينبو عن دقتها الإدراك ، ويشتد (٣) بها الارتباط بين المفصلين ويصح الاشتراك ، مغشّى كله بضروب من الترصيع ، وفنون من النقش البديع ، في قطع من الآبنوس والخشب الرفيع ، لم تعمل قط في زمان من الأزمان ، ولا انتهت قط إلى أيسره نوافذ الأذهان ، مدار بصنعة قد أجريت في صفائح الذهب ، وامتدت امتداد ذوائب الشّهب ، وصنع لذلك المحمل كرسي يحمله عند الانتقال ، ويشاركه في أكثر الأحوال ، مرصّع مثل ترصيعه الغريب ، ومشاكل له في جودة التقسيم وحسن الترتيب ، وصنع لذلك كله تابوت يحتوي عليه احتواء المشكاة على أنوارها ، والصدور على محفوظ أفكارها ، مكعب الشكل سام في الطول حسن الجملة والتفصيل ، بالغ ما شاء من التتميم في أوصاله والتكميل ، جار مجرى المحمل في التزيين والتجميل ، وله في أحد غواربه باب ركبت عليه دفتان قد أحكم ارتتاجهما (٤) ، ويسر بعد الإبهام (٥) انفراجهما ، ولانفتاح هذا الباب وخروج هذا الكرسي من تلقائه ، وتركب المحمل عليه ، ما دبرت الحركات الهندسية ، وتلقيت تلك التنبيهات القدسية ، وانتظمت العجائب المعنوية والحسية ، والتأمت الذخائر النفيسة والنفسية ، وذلك أن بأسفل هاتين الدفّتين فيصلا فيه موضع قد أعدّ له مفتاح لطيف يدخل فيه ، فإذا أدخل ذلك المفتاح فيه وأديرت به اليد انفتح الباب بانعطاف الدفتين إلى داخل الدفتين من تلقائهما ، وخرج الكرسي من ذاته بما عليه إلى أقصى غايته ، وفي خلال خروج الكرسي يتحرك عليه المحمل حركة منتظمة مقترنة بحركته يأتي بها من مؤخر الكرسي زحفا إلى مقدمه ، فإذا كمل الكرسي بالخروج وكمل المحمل بالتقدم
__________________
(١) عظيمة : غير موجودة في ب.
(٢) في ب : بديع الشكل والصيغة.
(٣) في ب : ويشهد بها الارتباط.
(٤) أرتج يرتج الباب إرتاجا : أغلقه إغلاقا وثيقا. وارتتاج الدفتين : انغلاقهما بإحكام.
(٥) الإبهام : أبهم الباب : أغلقه وسده. أبهم عليه الأمر : لم يجعل له وجها يعرفه.