وذكره ابن الزبير في صلته ، وقال : إنه رحل مع أبيه أبي محمد عند انقراض الدولة العبّادية (١) ، وسنه نحو سبعة عشر عاما ، إلى أن قال : وقيد الحديث ، وضبط ما روي ، واتسع في الرواية ، وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن ، ومات أبوه ـ رحمه الله تعالى! ـ بالإسكندرية أول سنة ثلاث وتسعين فانصرف حينئذ إلى إشبيلية ، فسكنها ، وشوور فيها ، وسمع ودرس الفقه والأصول ، وجلس للوعظ والتفسير ، وصنف في غير فن تصانيف مليحة حسنة مفيدة ، وولي القضاء مدّة أوّلها في رجب من سنة ثمان وعشرين ، فنفع الله تعالى به لصرامته ونفوذ أحكامه ، والتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى أوذي في ذلك بذهاب كتبه وماله ، فأحسن الصبر على ذلك كله ، ثم صرف عن القضاء ، وأقبل على نشر العلم وبثّه وكان فصيحا ، حافظا ، أديبا ، شاعرا ، كثير الملح ، مليح المجلس.
ثم قال : قال القاضي عياض ـ بعد أن وصفه بما ذكرته ـ : ولكثرة حديثه وأخباره وغريب حكاياته ورواياته أكثر الناس فيه الكلام ، وطعنوا في حديثه ، وتوفي منصرفه من مراكش من الوجهة التي توجه فيها مع أهل بلده إلى الحضرة بعد دخول الموحّدين مدينة إشبيلية ، فحبسوا بمراكش نحو عام ، ثم سرحوا ، فأدركته منيته ، وروى عنه خلق كثير ، منهم القاضي عياض وأبو جعفر بن الباذش وجماعة ، انتهى ملخصا.
ووقع في عبارة ابن الزبير تبعا لجماعة أنه دفن خارج الجيسة بفاس ، والصواب خارج باب المحروق ، كما أشبعت الكلام على ذلك في «أزهار الرياض» وقد زرته مرارا ، وقبره هنالك مقصود للزيارة خارج القصبة ، وقد صرح بذلك بعض المتقدمين الذين حضروا وفاته ، وقال : إنه دفن بتربة القائد مظفر خارج القصبة ، وصلى عليه صاحبه أبو الحكم بن حجاج ، رحمه الله تعالى!.
ومن بديع نظمه (٢) : [المتقارب]
أتتني تؤنّبني بالبكاء |
|
فأهلا بها وبتأنيبها |
تقول وفي نفسها حسرة : |
|
أتبكي بعين تراني بها؟ |
فقلت : إذا استحسنت غيركم |
|
أمرت جفوني بتعذيبها! |
وقال رحمه الله تعالى : دخل علي الأديب ابن صارة وبين يدي نار علاها رماد ، فقلت له : قل في هذه ، فقال : [الكامل]
__________________
(١) الدولة العبادية : نسبة إلى عباد ، ومن رجالاتها المعتضد بن عباد والمعتمد بن عباد.
(٢) انظر أزهار الرياض ج ٣ ص ٨٨.