الأخضر والأصفر ، وأما العنب والتين فقليل غال ، ولكثرة ما يعصرون العنب في أرياف النيل لا يصل منه إلا القليل ، ومع هذا فشرابه عندهم في غاية الغلاء ، وعامتها يشربون المزر الأبيض المتخذ من الحنطة ، حتى إن الحنطة يطلع سعرها بسبب ذلك (١) ، فينادي المنادي من قبل الوالي بقطعه وكسر أوانيه ، ولا ينكر فيها إظهار أواني الخمر ولا آلات الطرب ذوات الأوتار ، ولا تبرج النساء العواهر ، ولا غير ذلك مما ينكر في غيرها من بلاد المغرب ، وقد دخلت في الخليج الذي بين القاهرة ومصر وتعظم عمارته فيما يلي القاهرة فرأيت فيه من ذلك العجائب ، وربما وقع فيه قتل بسبب السكر فيمنع فيه الشرب ، وذلك في بعض الأحيان ، وهو ضيق ، عليه من الجهتين مناظر كثيرة العمارة بعالم التهكم والطرب والمخالفة ، حتى إن المحتشمين والرؤساء لا يجيزون العبور به في مركب ، وللسّرج في جانبيه بالليل منظر ، وكثيرا ما يتفرج فيه أهل الستر في الليل ، وفي ذلك أقول : [مخلع البسيط]
لا تركبن في خليج مصر |
|
إلا إذا أسدل الظلام |
فقد علمت الذي عليه |
|
من عالم كلّهم طغام (٢) |
صفان للحرب قد أطلّا |
|
سلاح ما بينهم كلام |
يا سيدي لا تسر إليه |
|
إلا إذا هوّم (٣) النيام |
والليل ستر على التصابي |
|
عليه من فضله لثام |
والسّرج قد بدت (٤) عليه |
|
منها دنانير لا ترام |
وهو قد امتدّ والمباني |
|
عليه في خدمة قيام |
لله كم دوحة جنينا |
|
هناك أثمارها الأثام |
قال المقريزي : وفيه تحامل كثير ، انتهى.
ومن نظر بعين الإنصاف علم أن التحامل في نسبة التحامل إليه ، والله تعالى الموفق.
قال ابن سعيد : ومعاملة الفسطاط والقاهرة بالدراهم المعروفة بالسوداء ، كل درهم منها ثلاث من الدراهم الناصرية ، وفي المعاملة بها شدة وخسارة في البيع والشراء ، ومخاصمة بين الفريقين ، وكان بها قديما الفلوس ، فقطعها الملك الكامل ، فبقيت الآن مقطوعة منها ، وهي في الإقليم الثالث ، وهواؤها رديء ، لا سيما إذا هبّ المريسي من جهة القبلة ، وأيضا فرمد العين
__________________
(١) ساقطة في ب.
(٢) الطغام : أراذل الناس.
(٣) هوّم : نام نوما خفيفا.
(٤) في ب : «مدّدت».