رجع إلى المنارة ـ وارتفاع المنارة إلى مكان الأذان أربع وخمسون ذراعا ، وطول كل حائط من حيطانها على الأرض ثمان عشرة (١) ذراعا ، انتهى بحروفه.
وفيه بعض مخالفة لما ذكره ابن الفرضي وبعضهم ، إذ قال في ترجمة المنصور بن أبي عامر ما صورته : وكان من أخبار المنصور الداخلة في أبواب الخير (٢) والبر والقرب بنيان (٣) المسجد الجامع والزيادة فيه سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ، وذلك أنه لما زاد الناس بقرطبة وانجلب إليها قبائل البربر من العدوة وإفريقية ، وتناهى حالها في الجلالة ضاقت الأرباض وغيرها ، وضاق المسجد الجامع عن حمل الناس ، فشرع المنصور في الزيادة بشرقيه حيث تتمكن الزيادة لاتصال الجانب الغربي بقصر الخلافة ، فبدأ ابن أبي عامر في (٤) هذه الزيادة على بلاطات تمتد طولا من أول المسجد إلى آخره ، وقصد ابن أبي عامر في هذه الزيادة المبالغة في الإتقان والوثاقة ، دون الزخرفة ، ولم يقصر ـ مع هذا ـ عن سائر الزيادات جودة ، ما عدا زيادة الحكم. وأوّل ما عمله ابن أبي عامر تطييب نفوس أرباب الدور الذين اشتريت منهم للهدم لهذه الزيادة بإنصافهم من الثمن ، وصنع في صحنه الجبّ العظيم قدره الواسع فناؤه ، وهو ـ أعني ابن أبي عامر ـ هو الذي رتب إحراق الشمع بالجامع زيادة للزيت ، فتطابق بذلك النوران ، وكان عدد سواري الجامع الحاملة لسمائه واللاصقة بمبانيه وقبابه ومناره بين كبيرة وصغيرة ألف سارية وأربعمائة سارية وسبع عشرة سارية ، وقيل : أكثر ، وعدد ثريّات الجامع ما بين كبيرة وصغيرة مائتان وثمانون ثريا ، وعدد الكؤوس سبعة آلاف كأس وأربعمائة كأس وخمسة وعشرون كأسا ، وقيل : عشرة آلاف وثمانمائة وخمس كؤوس ، وزنة مشاكي الرصاص للكؤوس المذكورة عشرة أرباع أو نحوها ، وزنة ما يحتاج إليه من الكتان للفتائل في كل شهر رمضان ثلاثة أرباع القنطار ، وجميع ما يحتاج إليه الجامع من الزيت في السنة خمسمائة ربع أو نحوها ، يصرف منه في رمضان خاصة نحو نصف العدد ، ومما كان يختص برمضان المعظم ثلاثة قناطير من الشمع وثلاثة أرباع القنطار من الكتان المقطن لإقامة الشمع المذكور ، والكبيرة من الشمع التي تؤخذ بجانب الإمام يكون وزنها من خمسين إلى ستين رطلا ، يحترق بعضها بطول الشهر ، ويعم الحرق لجميعها ليلة الختمة ، وكان عدد من يخدم الجامع المذكور بقرطبة في دولة ابن أبي عامر ويتصرف فيه من أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسدنة وموقدين وغيرهم من المتصرفين مائة وتسعة وخمسين شخصا ، ويوقد من البخور ليلة الختمة أربع أواق من العنبر الأشهب وثمان أواق من العود الرطب ، انتهى.
__________________
(١) في ب : ثمانية عشر ذراعا.
(٢) الخير و : زيادة في ه وحدها.
(٣) في ب : والقربة بنيان ..
(٤) في : زيادة في ه وحدها.