وقد قيل في قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج : ١٩] إنه نزل في وقعة بدر ، لما في «الصحيح» عن علي وأبي ذرّ : أنها نزلت في مبارزة حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث مع شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر وكان أبو ذرّ يقسم على ذلك.
ولذلك فأنا أحسب هذه السورة نازلا بعضها آخر مدة مقام النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة كما يقتضيه افتتاحها ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي ، وأن بقيتها نزلت في مدة مقام النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة.
وروى الترمذي وحسّنه وصححه عن ابن أبي عمر ، عن سفيان عن ابن جدعان ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين أنه لما نزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) إلى قوله : (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج : ١ ـ ٢] ، قال : أنزلت عليه هذه وهو في سفر؟ فقال : «أتدرون ...» وساق حديثا طويلا. فاقتضى قوله : أنزلت عليه وهو في سفر؟ أن هذه السورة أنزلت على النبيصلىاللهعليهوسلم بعد الهجرة فإن أسفاره كانت في الغزوات ونحوها بعد الهجرة.
وفي رواية عنه أن ذلك السفر في غروة بني المصطلق من خزاعة وتلك الغزوة في سنة أربع أو خمس ، فالظاهر من قوله «أنزلت وهو في سفر» أنّ عمران بن حصين لم يسمع الآية إلا يومئذ فظنها أنزلت يومئذ فإن عمران بن حصين ما أسلم إلّا عام خيبر وهو عام سبعة ، أو أن أحد رواة الحديث أدرج كلمة «أنزلت عليه وهو في سفر» في كلام عمران بن حصين ولم يقله عمران. ولذلك لا يوجد هذا اللفظ فيما روى الترمذي وحسّنه وصححه أيضا عن محمد بن بشار ، عن يحيي بن سعيد عن هشام بن أبي عبد الله عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين قال : كنا مع النبي في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) إلى قوله : (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج : ١ ـ ٢] إلى آخره. فرواية قتادة عن الحسن أثبت من رواية ابن جدعان عن الحسن ، لأن ابن جدعان واسمه علي بن زيد قال فيه أحمد وأبو زرعة : ليس بالقوي. وقال فيه ابن خزيمة : سيّئ الحفظ ، وقد كان اختلط فينبغي عدم اعتماد ما انفرد به من الزيادة. وروى ابن عطية عن أنس بن مالك أنه قال : أنزل أول هذه السورة على رسول الله في سفر ، ولم يسنده ابن عطية.
وذكر القرطبي عن الغزنوي أنه قال : سورة الحج من أعاجيب السور نزلت ليلا