وفي رواية الحسن : أنها نزلت في المنافقين يعني المنافقين من الذين كانوا مشركين مثل : عبد الله بن أبي بن سلول ، وهذا بعيد لأنّ أولئك كانوا مبطنين الكفر فلا ينطبق عليهم قوله (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ). وممن يصلح مثالا لهذا الفريق العرنيّون الذين أسلموا وهاجروا فاجتووا المدينة ، فأمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يلحقوا براعي إبل الصدقة خارج المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها حتى يصحوا فلمّا صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذّود وفروا ، فألحق بهم النبي صلىاللهعليهوسلم الطلب في أثرهم حتى لحقوا بهم فأمر بهم فقتلوا.
وفي حديث «الموطأ» : أن أعرابيا أسلم وبايع النبي صلىاللهعليهوسلم فأصابه وعك بالمدينة ، فجاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يستقيله بيعته فأبى أن يقيله ، فخرج من المدينة فقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها» فجعله خبثا لأنه لم يكن مؤمنا ثابتا. وذكر الفخر عن مقاتل أن نفرا من أسد وغطفان قالوا : نخاف أن لا ينصر الله محمدا فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا فنزل فيهم قوله تعالى : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) [الحج : ١٥] الآيات.
وعن الضحاك : أن الآية نزلت في المؤلفة قلوبهم ، منهم : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعبّاس بن مرداس قالوا : ندخل في دين محمد فإن أصبنا خيرا عرفنا أنه حق ، وإن أصبنا غير ذلك عرفنا أنه باطل. وهذا كله ناشئ عن الجهل وتخليط الأسباب الدنيوية بالأسباب الأخروية ، وجعل المقارنات الاتفاقية كالمعلومات اللزومية. وهذا أصل كبير من أصول الضلالة في أمور الدين وأمور الدنيا. ولنعم المعبّر عن ذلك قوله تعالى (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) إذ لا يهتدي إلى تطلب المسببات من أسبابها.
وحرف الشيء طرفه وجانبه سواء كان مرتفعا كحرف الجبل والوادي أم كان مستويا كحرف الطريق. ويطلق الحرف على طرف الجيش ويجمع على طرف بوزن عنب قال في «القاموس» : ولا نظير له سوى طل وطلل.
وقوله تعالى : (يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) تمثيل لحال المتردد في عمله ، يريد تجربة عاقبته بحال من يمشي على حرف جبل أو حرف واد فهو متهيّئ لأن يزل عنه إلى أسفله فينقلب ، أي ينكب.
ومعنى اطمأن : استقر وسكن في مكانه. ومصدره الاطمئنان واسم المصدر الطمأنينة. وتقدم في قوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) في [سورة البقرة : ٢٦٠].