إلى المحسوسات ليتقوى الإدراك العقلي بمشاهدة المحسوس. فهذه أصل في سنّة المؤثرات لأهل المقصد النافع.
وفي تعليق فعل (يَأْتُوكَ) بضمير خطاب إبراهيم دلالة على أنه كان يحضر موسم الحجّ كل عام يبلّغ للناس التوحيد وقواعد الحنيفية. روي أن إبراهيم لما أمره الله بذلك اعتلى جبل أبي قيس وجعل إصبعيه في أذنيه ونادى : «إن الله كتب عليكم الحجّ فحجّوا». وذلك أقصى استطاعته في امتثال الأمر بالتأذين. وقد كان إبراهيم رحّالة فلعله كان ينادي في الناس في كل مكان يحل فيه.
وجملة (يَأْتُوكَ) جواب للأمر ، جعل التأذين سببا للإتيان تحقيقا لتيسير الله الحج على الناس. فدل جواب الأمر على أنّ الله ضمن له استجابة ندائه.
وقوله (رِجالاً) حال من ضمير الجمع في قوله (يَأْتُوكَ).
وعطف عليه (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) بواو التقسيم التي بمعنى (أو) كقوله تعالى : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] إذ معنى العطف هنا على اعتبار التوزيع بين راجل وراكب ، إذ الراكب لا يكون راجلا ولا العكس. والمقصود منه استيعاب أحوال الآتين تحقيقا للوعد بتيسير الإتيان المشار إليه بجعل إتيانهم جوابا للأمر ، أي يأتيك من لهم رواحل ومن يمشون على أرجلهم.
ولكون هذه الحال أغرب قدّم قوله (رِجالاً) ثم ذكر بعده (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) تكملة لتعميم الأحوال إذ إتيان الناس لا يعدو أحد هذين الوصفين.
و (رِجالاً) : جمع راجل وهو ضد الراكب.
والضامر : قليل لحم البطن. يقال : ضمر ضمورا فهو ضامر ، وناقة ضامر أيضا. والضمور من محاسن الرواحل والخيل لأنه يعينها على السير والحركة.
فالضامر هنا بمنزلة الاسم كأنه قال : وعلى كلّ راحلة.
وكلمة (كلّ) من قوله (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) مستعملة في الكثرة ، أي وعلى رواحل كثيرة. وكلمة (كلّ) أصلها الدلالة على استغراق جنس ما تضاف إليه ويكثر استعمالها في معنى كثير مما تضاف إليه كقوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] أي من أكثر الأشياء التي يؤتاها أهل الملك ، وقول النابغة :