والتفث : كلمة وقعت في القرآن وتردّد المفسرون في المراد منها. واضطراب علماء اللغة في معناها لعلّهم لم يعثروا عليها في كلام العرب المحتج به. قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعلمون التفث إلّا من التفسير ، أي من أقوال المفسرين. فعن ابن عمر وابن عبّاس : التفث: مناسك الحجّ وأفعاله كلها. قال ابن العربي : لم صح عنهما لكان حجة الإحاطة باللغة. قلت : رواه الطبري عنهما بأسانيد مقبولة. ونسبة الجصّاص إلى سعيد. وقال نفطويه وقطرب: التفث : هو الوسخ والدرن. ورواه ابن وهب عن مالك بن أنس ، واختاره أبو بكر بن العربي وأنشد قطرب لأمية بن أبي الصلت :
حفّوا رءوسهم لم يحلقوا تفثا |
|
ولم يسلّموا لهم قملا وصئبانا |
ويحتمل أن البيت مصنوع لأن أئمة اللّغة قالوا : لم يجىء في معنى التفث شعر يحتج به. قال نفطويه : سألت أعرابيا : ما معنى قوله (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) ، فقال : ما أفسّر القرآن ولكن نقول للرجل ما أتفثك ، أي ما أدرنك.
وعن أبي عبيدة : التّفث : قصّ الأظفار والأخذ من الشارب وكل ما يحرم على المحرم ، ومثله قوله عكرمة ومجاهد وربما زاد مجاهد مع ذلك : رمي الجمار.
وعن صاحب «العين» والفراء والزجاج : التفث الرمي ، والذبح ، والحلق ، وقصّ الأظفار والشارب وشعر الإبط. وهو قول الحسن ونسب إلى مالك بن أنس أيضا.
وعندي : أن فعل (لْيَقْضُوا) ينادي على أن التفث عمل من أعمال الحج وليس وسخا ولا ظفرا ولا شعرا. ويؤيده ما روي عن ابن عمر وابن عباس آنفا. وأن موقع (ثمّ) في عطف جملة الأمر على ما قبلها ينادي على معنى التراخي الرتبي فيقتضي أنّ المعطوف ب (ثمّ) أهم مما ذكر قبلها فإن أعمال الحج هي المهم في الإتيان إلى مكة ، فلا جرم أن التفث هو من مناسك الحجّ وهذا الذي درج عليه الحريري في قوله في المقامة المكية : «فلمّا قضيت بعون الله التفث ، واستبحت الطيب والرفث ، صادف موسم الخيف ، معمعان الصيف».
وقوله : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي إن كانوا نذورا أعمالا زائدة على ما تقتضيه فريضة الحجّ مثل نذر طواف زائد أو اعتكاف في المسجد الحرام أو نسكا أو إطعام فقير أو نحو ذلك.
والنذر : التزام قربة لله تعالى لم تكن واجبة على ملتزمها بتعليق على حصول