(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا) يوحى (إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٢٥] ، ثم قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الأنبياء : ٤٥]. واتصالها بجميع ذلك اتصال محكم ولذلك أعقبت بقوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).
وابتدئ بذكر موسى وأخيه مع قومهما لأن أخبار ذلك مسطورة في كتاب موجود عند أهله يعرفهم العرب ولأن أثر إتيان موسى عليهالسلام بالشريعة هو أوسع أثر لإقامة نظام أمة يلي عظمة شريعة الإسلام.
وافتتاح القصة بلام القسم المفيدة للتأكيد لتنزيل المشركين في جهل بعضهم بذلك وذهول بعضهم عنه وتناسي بعضهم إياه منزلة من ينكر تلك القصة.
ومحل التنظير في هذه القصة هو تأييد الرسول صلىاللهعليهوسلم بكتاب مبين وتلقي القوم ذلك الكتاب بالإعراض والتكذيب.
والفرقان : ما يفرّق به بين الحق والباطل من كلام أو فعل. وقد سمى الله تعالى يوم بدر يوم الفرقان لأن فيه كان مبدأ ظهور قوة المسلمين ونصرهم. فيجوز أن يراد بالفرقان التوراة كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) في [سورة الصافات : ١١٧].
والإخبار عن الفرقان بإسناد إيتائه إلى ضمير الجلالة للتنبيه على أنه لم يعد كونه إيتاء من الله تعالى ووحيا كما أوتي محمد عليه الصلاة والسلام القرآن فكيف ينكرون إيتاء القرآن وهم يعلمون أن موسى عليهالسلام ما جاء إلا بمثله. وفيه تنبيه على جلالة ذلك الموتى.
ويجوز أن يراد بالفرقان المعجزات الفارقة بين المعجزة والسحر كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) في [سورة غافر : ٢٣]. ويجوز أن يراد به الشريعة الفارقة بين العدل والجور كقوله تعالى : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) في [سورة البقرة : ٥٣].
وعلى الاحتمالات المذكورة تجيء احتمالات في قوله تعالى الآتي : (وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ). وليس يلزم أن تكون بعض هذه الصفات قسيما لبعض بل هي صفات متداخلة ، فمجموع ما أوتيه موسى وهارون تتحقق فيه هذه الصفات الثلاث.
والضياء : النور. يستعمل مجازا في الهدى والعلم ، وهو استعمال كثير ، وهو المراد هنا وقد قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) في [سورة المائدة : ٤٤].