حالا مرادا بها التشبيه ، أي خرج كالمغاضب. وسيأتي تفصيل هذا المعنى في سورة الصافات.
وقوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) يقتضي أنه خرج خروجا غير مأذون له فيه من الله. ظن أنه إذا ابتعد عن المدينة المرسل هو إليها يرسل الله غيره إليهم. وقد روي عن ابن عباس أن (حزقيال) ملك إسرائيل كان في زمنه خمسة أنبياء منهم يونس ، فاختاره الملك ليذهب إلى أهل (نينوى) لدعوتهم فأبى وقال : هاهنا أنبياء غيري وخرج مغاضبا للملك. وهذا بعيد من القرآن في آيات أخرى ومن كتب بني إسرائيل.
ومحلّ العبرة من الآية لا يتوقف على تعيين القصة.
ومعنى (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) قيل نقدر مضارع قدر عليه أمرا بمعنى ضيّق كقوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد : ٢٦] وقوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) [الطلاق : ٧] ، أي ظن أن لن نضيّق عليه تحتيم الإقامة مع القوم الذين أرسل إليهم أو تحتيم قيامه بتبليغ الرسالة ، وأنه إذا خرج من ذلك المكان سقط تعلق تكليف التبليغ عنه اجتهادا منه ، فعوتب بما حلّ به إذ كان عليه أن يستعلم ربه عما يريد فعله. وفي «الكشاف» : أن ابن عباس دخل على معاوية فقال له معاوية : «لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك. قال : وما هي؟ فقرأ معاوية هذه الآية وقال : أو يظن نبيء الله أن الله لا يقدر عليه؟ قال ابن عباس : هذا من القدر لا من القدرة». يعني التضييق عليه.
وقيل (نَقْدِرَ) هنا بمعنى نحكم مأخوذ من القدرة ، أي ظن أن لن نؤاخذه بخروجه من بين قومه دون إذن. ونقل هذا عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي وهو رواية عن ابن عباس واختاره الفرّاء والزجاج. وعلى هذا يكون يونس اجتهد وأخطأ.
وعلى هذا الوجه فالتفريع تفريع خطور هذا الظن في نفسه بعد أن كان الخروج منه بادرة بدافع الغضب عن غير تأمل في لوازمه وعواقبه ، قالوا : وكان في طبعه ضيق الصدر.
وقيل معنى الكلام على الاستفهام حذفت همزته. والتقدير : أفظن أن لن نقدر عليه؟ ونسب إلى سليمان بن المعتمر أو أبي المعتمر. قال منذر بن سعيد في «تفسيره» : وقد قرئ به.
وعندي فيه تأويلان آخران وهما : أنه ظن وهو في جوف الحوت أن الله غير مخلصه