في بطن الحوت لأنه رأى ذلك مستحيلا عادة ، وعلى هذا يكون التعقيب بحسب الواقعة ، أي ظن بعد أن ابتلعه الحوت.
وأما نداؤه ربه فذلك توبة صدرت منه عن تقصيره أو عجلته أو خطأ اجتهاده ، ولذلك قال : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) مبالغة في اعترافه بظلم نفسه ، فأسند إليه فعل الكون الدال على رسوخ الوصف ، وجعل الخبر أنه واحد من فريق الظالمين وهو أدل على أرسخية الوصف ، أو أنه ظن بحسب الأسباب المعتادة أنه يهاجر من دار قومه ، ولم يظن أن الله يعوقه عن ذلك إذ لم يسبق إليه وحي من الله.
و (أَنِّي) مفسرة لفعل (نادى).
وتقديمه الاعتراف بالتوحيد مع التسبيح كنّى به عن انفراد الله تعالى بالتدبير وقدرته على كل شيء.
والظلمات : جمع ظلمة. والمراد ظلمة الليل ، وظلمة قعر البحر ، وظلمة بطن الحوت. وقيل : الظلمات مبالغة في شدة الظلمة كقوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧].
وقد تقدم أنا نظن أن «الظلمة» لم ترد مفردة في القرآن.
والاستجابة : مبالغة في الإجابة. وهي إجابة توبته مما فرط منه. والإنجاء وقع حين الاستجابة إذ الصحيح أنه ما بقي في بطن الحوت إلا ساعة قليلة ، وعطف بالواو هنا بخلاف عطف (فَكَشَفْنا) على (فَاسْتَجَبْنا) وإنجاؤه هو بتقدير وتكوين في مزاج الحوت حتى خرج الحوت إلى قرب الشاطئ فتقاياه فخرج يسبح إلى الشاطئ.
وهذا الحوت هو من صنف الحوت العظيم الذي يبتلع الأشياء الضخمة ولا يقضمها بأسنانه. وشاع بين الناس تسمية صنف من الحوت بحوت يونس رجما بالغيب.
وجملة (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) تذييل. والإشارة ب (كَذلِكَ) إلى الإنجاء الذي أنجي به يونس ، أي مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين من غموم بحسب من يقع فيها أن نجاته عسيرة. وفي هذا تعريض للمشركين من العرب بأن الله منجي المؤمنين من الغمّ والنكد الذي يلاقونه من سوء معاملة المشركين إياهم في بلادهم.
واعلم أن كلمة (فَنُجِّيَ) كتبت في المصاحف بنون واحدة كما كتبت بنون واحدة