هذه الحالة ناشئ من تزيين الشيطان له سوء عمله ، فالمزيّن للأعمال السيئة هو الشيطان قال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [النمل : ٢٤] فرأوا أعمالهم السيئة حسنة فعكفوا عليها ولم يقبلوا فيها نصيحة ناصح ، ولا رسالة مرسل.
و (مَنْ) موصولة صادقة على جمع من الناس كما دل عليه قوله في آخر الكلام (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) بل ودل عليه تفريع هذا على قوله (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦] و (مَنْ) في موضع رفع الابتداء والخبر عنه محذوف إيجازا لدلالة ما قبله عليه وهو قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [فاطر : ٧] عقب قوله : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). فتقديره بالنسبة لما استحقه حزب الشيطان من العذاب : أفأنت تهدي من زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
وتقديره بالنسبة إلى تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم : لا يحزنك مصيره فإن الله مطلع عليه.
وفرع عليه : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ). وفرع على هذا قوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) أي فلا تفعل ذلك ، أي لا ينبغي لك ذلك فإنهم أوقعوا أنفسهم في تلك الحالة بتزيين الشيطان لهم ورؤيتهم ذلك حسنا وهو من فعل أنفسهم فلما ذا تتحسر عليهم.
وهذا الخبر مما دلت عليه المقابلة في قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [فاطر : ٧] فقد دل ذلك على أن الكفر سوء وأن الإيمان حسن ، فيكون «من زين له سوء عمله» هو الكافر ، ويكون ضده هو المؤمن ، ونظير هذا التركيب قوله تعالى : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) في سورة الزمر [١٩] ، وتقدم عند قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) في سورة الرعد [٣٣].
والتزيين : تحسين ما ليس بحسن بعضه أو كله. وقد صرح هنا بضده في قوله : (سُوءُ عَمَلِهِ) ، أي صورت لهم أعمالهم السيئة بصورة حسنة ليقدموا عليها بشره وتقدم في أوائل سورة النمل.
وجملة (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) مفرّعة ، وهي تقرير للتسلية وتأييس من اهتداء من لم يخلق الله فيه أسباب الاهتداء إلى الحق من صحيح النظر