العجيبة من إقدامه وثباته حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة. ولم يؤت بفعل الإرسال في هذه الآية بصيغة المضارع بخلاف قوله في سورة الروم [٤٨](اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) الآية لأن القصد هنا استدلال بما هو واقع إظهارا لإمكان نظيره وأما آية سورة الروم فالمقصود منها الاستدلال على تجديد صنع الله ونعمه.
والقول في الرياح والسحاب تقدم غير مرة أولاها في سورة البقرة.
وفي قوله : (فَسُقْناهُ) بعد قوله : (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) التفاوت من الغيبة إلى التكلم.
وقوله : (كَذلِكَ النُّشُورُ) سبيله سبيل قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [فاطر : ٥] الآيات من إثبات البعث مع تصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به عنه ، إلا أن ما قبله كان مأخوذا من فحوى الدلالة لما ظهرت في برهان صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به من توحيد أخذ من طريق دلالة التقريب لوقوع البعث إذ عسر على عقولهم تصديق إمكان الإعادة بعد الفناء ليحصل من بارقة صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وبارقة الإمكان ما يسوق أذهانهم إلى استقامة التصديق بوقوع البعث.
والإشارة في قوله : (كَذلِكَ النُّشُورُ) إلى المذكور من قوله : (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ). والأظهر أن تكون الإشارة إلى مجموع الحالة المصورة ، أي مثل ذلك الصنع المحكم المتقن نصنع صنعا يكون به النشور بأن يهيّئ الله حوادث سماوية أو أرضية أو مجموعة منهما حتى إذا استقامت آثارها وتهيأت أجسام لقبول أرواحها أمر الله بالنفخة الأولى والثانية فإذا الأجساد قائمة ماثلة نظير أمر الله بنفخ الأرواح في الأجنة عند استكمال تهيئها لقبول الأرواح.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم تقريب ذلك بمثل هذا مما رواه أحمد وابن أبي شيبة وقريب منه في «صحيح مسلم» عن عروة بن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «قيل لرسول الله : كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ فقال : هل مررت بواد أهلك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا؟ قيل : نعم. قال : فكذلك يحيي الله الموتى وتلك آيته في خلقه». وفي بعض الروايات عن أبي رزين العقيلي أن السائل أبو رزين.
وقرأ الجمهور (الرِّياحَ) بصيغة الجمع. وقرأ حمزة والكسائي «الريح» بالإفراد ، والمعرّف بلام الجنس يستوي فيه المفرد والجمع.