ساحة نسوتنا انقلب سروره غمّا وحزنا إذ يجد دلائل أخذ الثأر من قاتله بادية له ، لأن العادة أن القتيل لا يندبه النساء إلّا إذا أخذ ثأره. هذا ما فسره المرزوقي وهو الذي تلقيته عن شيخنا الوزير وفي البيتين تفسير آخر.
وقد يكون بالعكس وهو تثبيت المخاطب على علمه كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) [العنكبوت : ٥].
وقريب من هذا الاستعمال ما يقصد به إظهار الفرق بين من اتصف بمضمون الشرط ومن اتصف بمضمون الجزاء كقول النابغة :
فمن يكن قد قضى من خلّة وطرا |
|
فإنني منك ما قضّيت أوطاري |
وقول ضابئ بن الحارث :
ومن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإني وقيّار بها لغريب |
وقول الكلابي :
فمن يكلم يغرض فإني وناقتي |
|
بحجر إلى أهل الحمى غرضان |
فتقديم المجرور يفيد قصرا وهو قصر ادعائي ، لعدم الاعتداد بما للمشركين من عزة ضئيلة ، أي فالعزة لله لا لهم.
ومنه ما يكون فيه ترتيب الجواب على الشرط في الوقوع ، وهو الأصل كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ) [الإسراء : ١٨] الآية ، وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].
و (جَمِيعاً) أفادت الإحاطة فكانت بمنزلة التأكيد للقصر الادعائي فحصلت ثلاثة مؤكدات ؛ فالقصر بمنزلة تأكيدين (١) و (جَمِيعاً) بمنزلة تأكيد. وهذا قريب من قوله (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء : ١٣٩] فإن فيه تأكيدين : تأكيدا ب (إنّ) وتأكيدا ب (جَمِيعاً) لأن تلك الآية نزلت في وقت قوة الإسلام فلم يحتج فيها إلى تقوية التأكيد. وتقدم الكلام على (جَمِيعاً) عند قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) في سورة سبأ [٤٠].
__________________
(١) لقول السكاكي : ليس الحصر والتخصيص إلّا تأكيدا على تأكيد.