الصفات فأخبر عنه بأنه صاحب الاسم المختص به الذي لا يجهلونه ، وأخبر عنه بأنه رب الخلائق بعد أن سجل عليهم ما لا قبل لهم بإنكاره من أنه الذي خلقهم خلقا من بعد خلق ، وأن خلقهم من تراب ، وقدر آجالهم وأوجد ما هو أعظم منهم من الأحوال السماوية والأرضية مما يدل على أنه لا يعجزه شيء فهو الرب دون غيره وهو الذي الملك والسلطان له لا لغيره أفاد ذلك كله قوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) ، فانتهض الدليل.
وعطف عليه التصريح بأن أصنامهم لا يملكون من الملك شيئا ولو حقيرا وهو الممثّل بالقطمير.
والقطمير : القشرة التي في شقّ النواة كالخيط الدقيق. فالمعنى : لا يملكون شيئا ولو حقيرا ، فكونهم لا يملكون أعظم من القطمير معلوم بفحوى الخطاب ، وذلك حاصل بالمشاهدة فإن أصنامهم حجارة جاثمة لا تملك شيئا بتكسب ولا تحوزه بهبة ، فإذا انتفى أنها تملك شيئا انتفى عنها وصف الإلهية بطريق الأولى ، فنفي ما كانوا يزعمونه من أنها تشفع لهم.
وجملة (إِنْ تَدْعُوهُمْ) خبر ثان عن (الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) [فاطر : ١٣]. والمقصد منها تنبيه المشركين إلى عجز أصنامهم بأنها لا تسمع ، وليس ذلك استدلالا فإنهم كانوا يزعمون أن الأصنام تسمع منهم فلذلك كانوا يكلمونها ويوجهون إليها محامدهم ومدائحهم ، ولكنه تمهيد للجملة المعطوفة على الخبر وهي جملة (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) فإنها معطوفة على جملة (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) ، وليست الواو اعتراضية ، أي ولو سمعوا على سبيل الفرض والتقدير ومجاراة مزاعمكم حين تدعونها فإنها لا تستجيب لدعوتكم ، أي لا ترد عليكم بقبول ، وهذا استدلال سنده المشاهدة ، فطالما دعوا الأصنام فلم يسمعوا منها جوابا وطالما دعوها فلم يحصل ما دعوها لتحصيله مع أنها حاضرة بمرأى منهم غير محجوبة ، فعدم إجابتها دليل على أنها لا تسمع ، لأن شأن العظيم أن يستجيب لأوليائه الذين يسعون في مرضاته ، فقد لزمهم إمّا عجزها وإما أنها لا تفقه إذ ليس في أوليائها مغمز بأنهم غير مرضين لهذا. وهذا من أبدع الاستدلال الموطّأ بمقدمة متفق عليها.
وقوله : (مَا اسْتَجابُوا) يجوز أن يكون بمعنى إجابة المنادي بكلمات الجواب. ويجوز أن يكون بمعنى إجابة السائل بتنويله ما سأله. وهذا من استعمال المشترك في