الإشارة من الحكم لأجل ما قبل اسم الإشارة من الأوصاف.
فجملة (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) ابتدائية معترضة بين المتعاطفين.
وجملة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) ابتدائية أيضا.
وقوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا) عطف على (الَّذِينَ آمَنُوا) ، وتقدير الكلام : ليجزى الذين آمنوا والذين سعوا بما يليق بكل فريق.
والمعنى : أن عالم الإنسان يحتوي على صالحين متفاوت صلاحهم ، وفاسدين متفاوت فسادهم ، وقد انتفع الناس بصلاح الصالحين واستضروا بفساد المفسدين ، وربما عطل هؤلاء منافع أولئك وهذّب أولئك من إفساد هؤلاء وانقضى كل فريق بما عمل لم يلق المحسن جزاء على إحسانه ولا المفسد جزاء على إفساده ، فكانت حكمة خالق الناس مقتضية إعلامهم بما أراد منهم وتكليفهم أن يسعوا في الأرض صلاحا ، ومقتضية ادخار جزاء الفريقين كليهما ، فكان من مقتضاها إحضار الفريقين للجزاء على أعمالهم. وإذ قد شوهد أن ذلك لم يحصل في هذه الحياة علمنا أن بعد هذه الحياة حياة أبدية يقارنها الجزاء العادل ، لأن ذلك هو اللائق بحكمة مرشد الحكماء تعالى ، فهذا مما يدل عليه العقل السليم ، وقد أعلمنا خالق الخلق بذلك على لسان رسوله ورسله صلىاللهعليهوسلم فتوافق العقل والنقل ، وبطل الدّجل والدّخل.
وجعل جزاء الذين آمنوا مغفرة ، أي تجاوزوا عن آثامهم ، ورزقا كريما وهو ما يرزقون من النعيم على اختلاف درجاتهم في النعيم وابتداء مدته فإنهم آئلون إلى المغفرة والرزق الكريم.
ووصف بالكريم ، أي النفيس في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى : (كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩].
وقوبل (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ب (الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) لأن السعي في آيات الله يساوي معنى كفروا بها ، وبذلك يشمل عمل السيئات وهو سيئة من السيئات ، ألا ترى أنه عبر عنهم بعد ذلك بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) [سبأ : ٧] إلخ.
ومعنى (سَعَوْا فِي آياتِنا) اجتهدوا بالصد عنها ومحاولة إبطالها ، فالسعي مستعار للجد في فعل ما ، وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ