الكتاب إفحام الرسول صلىاللهعليهوسلم لأن قبلها (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) [آل عمران : ١٨٣].
وقد خولف أيضا في هذه الآية أسلوب آية آل عمران إذ قرن كل من «الزبر والكتاب المنير» هنا بالباء ، وجرّدا منها في آية آل عمران وذلك لأن آية آل عمران جرت في سياق زعم اليهود أن لا تقبل معجزة رسول إلّا معجزة قربان تأكله النار ، فقيل في التفرد ببهتانهم : قد كذّبت الرسل الذين جاء الواحد منهم بأصناف المعجزات مثل عيسى عليهالسلام ومن معجزاتهم قرابين تأكلها النار فكذبتموهم ، فترك إعادة الباء هنالك إشارة إلى أن الرسل جاءوا بالأنواع الثلاثة.
ولما كان المقام هنا لتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم ناسب أن يذكر ابتلاء الرسل بتكذيب أممهم على اختلاف أحوال الرسل ؛ فمنهم الذين أتوا بآيات ، أي خوارق عادات فقط مثل صالح وهود ولوط ، ومنهم من أتوا بالزبر وهي المواعظ التي يؤمر بكتابتها وزبرها ، أي تخطيطها لتكون محفوظة وتردد على الألسن كزبور داود وكتب أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل مثل أرمياء وإيلياء ، ومنهم من جاءوا بالكتاب المنير ، يعني كتاب الشرائع مثل إبراهيم وموسى وعيسى ، فذكر الباء مشير إلى توزيع أصناف المعجزات على أصناف الرسل.
فزبور إبراهيم صحفه المذكورة في قوله تعالى : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى: ١٩].
وزبور موسى كلامه في المواعظ الذي ليس فيه تبليغ عن الله مثل دعائه الذي دعا به في قادش المذكور في الإصحاح التاسع من سفر التثنية ، ووصيته في عبر الأردن التي في الإصحاح السابع والعشرين من السفر المذكور ، ومثل نشيده الوعظي الذي نطق به وأمر بني إسرائيل بحفظه والترنّم به في الإصحاح الثاني والثلاثين منه ، ومثل الدعاء الذي بارك به أسباط إسرائيل في عربات مؤاب في آخر حياته في الإصحاح الثالث والثلاثين منه.
وزبور عيسى أقواله المأثورة في الأناجيل مما لم يكن منسوبا إلى الوحي.
فالضمير في «جاءوا» للرسل وهو على التوزيع ، أي جاء مجموعهم بهذه الأصناف من الآيات ، ولا يلزم أن يجيء كل فرد منهم بجميعها كما يقال بنو فلان قتلوا فلانا.
وجواب (إِنْ يُكَذِّبُوكَ) محذوف دلت عليه علته وهي قوله : (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ