وأتبع ما هو علامة قبول الإيمان والعلم به بعلامة أخرى وهي إقامة الصلاة كما تقدم في سورة البقرة [٢](الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) فإنها أعظم الأعمال البدنية ، ثم أتبعت بعمل عظيم من الأعمال في المال وهي الإنفاق ، والمراد بالإنفاق حيثما أطلق في القرآن هو الصدقات واجبها ومستحبها وما ورد الإنفاق في السور المكية إلّا والمراد به الصدقات المستحبة إذ لم تكن الزكاة قد فرضت أيامئذ ؛ على أنه قد تكون الصدقة مفروضة دون نصب ولا تحديد ثم حدّدت بالنصب والمقادير.
وجيء في جانب إقامة الصلاة والإنفاق بفعل المضي لأن فرض الصلاة والصدقة قد تقرر وعملوا به فلا تجدد فيه ، وامتثال الذي كلفوا به يقتضي أنهم مداومون عليه.
وقوله : (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) إدماج للامتنان وإيماء إلى أنه إنفاق شكر على نعمة الله عليهم بالرزق فهم يعطون منه أهل الحاجة.
ووقع الالتفات من الغيبة من قوله : (كِتابَ اللهِ) إلى التكلم في قوله : (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) لأنه المناسب للامتنان.
وانتصب (سِرًّا وَعَلانِيَةً) على الصفة لمصدر (أَنْفَقُوا) محذوف ، أي إنفاق سر وإنفاق علانية والمصدر مبين للنوع.
والمعنى : أنهم لا يريدون من الإنفاق إلّا مرضاة الله تعالى لا يراءون به ، فهم ينفقون حيث لا يراهم أحد وينفقون بمرأى من الناس فلا يصدهم مشاهدة الناس عن الإنفاق.
وفي تقديم السر إشارة إلى أنه أفضل لانقطاع شائبة الرياء منه ، وذكر العلانية للإشارة إلى أنهم لا يصدهم مرأى المشركين عن الإنفاق فهم قد أعلنوا بالإيمان وشرائعه حبّ من حبّ أو كره من كره.
و (يَرْجُونَ تِجارَةً) هو خبر (إِنَ).
والخبر مستعمل في إنشاء التبشير كأنه قيل : ليرجوا تجارة ، وزاده التعليل بقوله : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) قرينة على إرادة التبشير.
والتجارة مستعارة لأعمالهم من تلاوة وصلاة وإنفاق.
ووجه الشبه مشابهة ترتب الثواب على أعمالهم بترتب الربح على التجارة.