وعبر عن ذلك الحفظ بالإمساك على طريقة التمثيل.
وحقيقة الإمساك : القبض باليد على الشيء بحيث لا ينفلت ولا يتفرق ، فمثل حال حفظ نظام السماوات والأرض بحال استقرار الشيء الذي يمسكه الممسك بيده ، ولمّا كان في الإمساك معنى المنع عدّي إلى الزوال ب (مِنْ) ، وحذفت كما هو شأن حروف الجر مع (إِنَ) و (إِنَ) في الغالب ، وأكد هذا الخبر بحرف التوكيد لتحقيق معناه وأنه لا تسامح فيه ولا مبالغة ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ) في سورة الحج [٦٥]. ثم أشير إلى أن شأن الممكنات المصير إلى الزوال والتحول ولو بعد أدهار فعطف عليه قوله: (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) ، فالزوال المفروض أيضا مراد به اختلال نظامهما الذي يؤدي إلى تطاحنهما.
والزوال يطلق على العدم ، ويطلق على التحول من مكان إلى مكان ، ومنه زوال الشمس عن كبد السماء ، وتقدم آخر سورة إبراهيم.
وقد اختير هذا الفعل دون غيره لأن المقصود معناه المشترك فإن الله يمسكهما من أن يعدما ، ويمسكهما من أن يتحول نظام حركتهما ، كما قال تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : ٤٠]. فالله مريد استمرار انتظام حركة الكواكب والأرض على هذا النظام المشاهد المسمى بالنظام الشمسي وكذلك نظام الكواكب الأخرى الخارجة عنه إلى فلك الثوابت ، أي إذا أراد الله انقراض تلك العوالم أو بعضها قيّض فيها طوارئ الخلل والفساد والخرق بعد الالتئام والفتق بعد الرتق ، فتفككت وانتشرت إلى ما لا يعلم مصيره إلّا الله تعالى وحينئذ لا يستطيع غيره مدافعة ذلك ولا إرجاعها إلى نظامها السابق فربما اضمحلت أو اضمحل بعضها ، وربما أخذت مسالك جديدة من البقاء.
وفي هذا إيقاظ للبصائر لتعلم ذلك علما إجماليا وتتدبر في انتساق هذا النظام البديع.
فاللام موطئة للقسم. والشرط وجوابه مقسم عليه ، أي محقق تعليق الجواب بالشرط ووقوعه عنده ، وجواب الشرط هو الجملة المنفية ب (إِنَ) النافية وهي أيضا سادّة مسدّ جواب القسم.
وإذ قد تحقق بالجملة السابقة أن الله ممسكهما عن الزوال علم أن زوالهما المفروض