ثم إن كان التقاول بين المشركين بعضهم لبعض ، فالتعبير عن الرسولصلىاللهعليهوسلم ب (رَجُلٍ) منكّر مع كونه معروفا بينهم وعن أهل بلدهم ، قصدوا من تنكيره أنه لا يعرف تجاهلا منهم. قال السكاكي «كأن لم يكونوا يعرفون منه إلّا أنه رجل ما».
وإن كان قول المشركين موجها إلى الواردين مكّة في الموسم ، كان التعبير ب (رَجُلٍ) جريا على مقتضى الظاهر لأن الواردين لا يعرفون النبي صلىاللهعليهوسلم ولا دعوته فيكون كقول أبي ذرّ (قبل إسلامه) لأخيه «اذهب فاستعلم لنا خبر هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيء».
ومعنى : (نَدُلُّكُمْ) نعرفكم ونرشدكم. وأصل الدلالة الإرشاد إلى الطريق الموصل إلى مكان مطلوب. وغالب استعمال هذا الفعل أن يكون إرشاد من يطلب معرفة ، وبذلك فالآية تقتضي أن هذا القول يقولونه للذين يسألونهم عن خبر رجل ظهر بينهم يدّعي النبوءة فيقولون : هل ندلكم على رجل يزعم كذا ، أي ليس بنبي بل مفتر أو مجنون ، فمورد الاستفهام هو ما تضمنه قولهم : (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي هل تريدون أن ندلكم على من هذه صفته ، أي وليس من صفته أنه نبيء بل هو : إما كاذب أو غير عاقل.
والإنباء : الإخبار عن أمر عظيم ، وعظمة هذا القول عندهم عظمة إقدام قائله على ادعاء وقوع ما يرونه محال الوقوع.
وجملة (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) هي المنبّأ به. ولمّا كان الإنباء في معنى القول لأنه إخبار صح أن يقع بعده ما هو من قول المنبّئ. فالتقدير من جهة المعنى : يقول إنكم لفي خلق جديد ، ولذلك اجتلبت (إنّ) المكسورة الهمزة دون المفتوحة لمراعاة حكاية القول.
وهذا حكاية ما نبّأ به لأن المنبئ إنما نبّأ بأن الناس يصيرون في خلق جديد.
وأما شبه الجملة وهو قوله : (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فليس مما نبّأ به الرجل وإنما هو اعتراض في كلام الحاكين تنبيها على استحالة ما يقوله هذا الرجل على أنّه لازم لإثبات الخلق الجديد لكل الأموات. وليس (إِذا) بمفيد شرطا للخلق الجديد لأنه ليس يلزم للخلق الجديد أن يتقدمه البلى ، ولكن المراد أنه يكون البلى حائلا دون الخلق الجديد المنبّأ به.
وتقديم هذا الاعتراض للاهتمام به ليتقرر في أذهان السّامعين لأنه مناط الإحالة في زعمهم ، فإن إعادة الحياة للأموات تكون بعد انعدام أجزاء الأجساد ، وتكون بعد تفرقها