تفرقا قريبا من العدم ، وتكون بعد تفرق ما ، وتكون مع بقاء الأجساد على حالها بقاء متفاوتا في الصلابة والرطوبة ، وهم أنكروا إعادة الحياة في سائر الأحوال ، ولكنهم خصّوا في كلامهم الإعادة بعد التمزق كل ممزق ، أي بعد اضمحلال الأجساد أو تفرقها الشديد ، لقوة استحالة إرجاع الحياة إليها بعدئذ.
والتمزيق : تفكيك الأجزاء المتلاصقة بعضها عن بعض بحيث تصير قطعا متباعدة.
والممزّق : مصدر ميمي لمزّقه مثل المسرّح للتسريح.
و (كُلَ) على الوجهين مستعملة في معنى الكثرة كقوله تعالى : (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) [يونس : ٩٧] وقول النابغة :
بها كل ذيّال |
|
......................... |
وقد تقدم غير مرة.
والخلق الجديد : الحديث العهد بالوجود ، أي في خلق غير الخلق الأول الذي أبلاه الزمان ، فجديد فعيل من جدّ بمعنى قطع. فأصل معنى جديد مقطوع ، وأصله وصف للثوب الذي ينسجه الناسج فإذا أتمه قطعه من المنوال. أريد به أنه بحدثان قطعه فصار كناية عن عدم لبسه ، ثم شاع ذلك فصار الجديد وصفا بمعنى الحديث العهد ، وتنوسي معنى المفعولية منه فصار وصفا بمعنى الفاعلية ، فيقال : جدّ الثوب بالرقع ، بمعنى : كان حديث عهد بنسج. ويشبه أن يكون (جد) اللازم مطاوعا ل (جدّه) المتعدّي كما كان (جبر العظم) مطاوعا ل (جبر) كما في قول العجاج :
قد جبر الدين الإله فجبر
وبهذا يحق الجمع بين قول البصريين الذين اعتبروا جديدا فعيلا بمعنى فاعل ، وقول الكوفيين بأنه فعيل بمعنى مفعول ، وعلى هذين الاعتبارين يجوز أن يقال : ملحفة جديد كما قال : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) [الأعراف : ٥٦].
ووصف الخلق الجديد باعتبار أن المصدر بمنزلة اسم الجنس يكون قديما فهو إذن بمعنى الحاصل بالمصدر ، ويكون جديدا فهو بمنزلة اسم الفاعل ، فوصف بالجديد ليتمحّض لأحد احتماليه ، والظرفية من قوله : (لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) مجازية في قوة التلبس بالخلق الجديد تلبسا كتلبس المظروف بالظرف.