وهذا الاعتبار يناسبه الاستئناف الابتدائي ليكون الانتقال بابتداء كلام منبها السامع إلى ما اعتبره المتكلم في مطاوي كلامه.
والتأكيد بحرف (إنّ) منظور فيه إلى معنى الصريح كما هو الشأن ، و (نَحْنُ) ضمير فصل للتقوية وهو زيادة تأكيد. والمعنى : نحييهم للجزاء ، فلذلك عطف (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) ، أي نحصي لهم أعمالهم من خير وشر قدموها في الدنيا لنجازيهم.
وعطف ذلك إدماج للإنذار والتهديد بأنهم محاسبون على أعمالهم ومجازون عليها.
والكناية : كناية عن الإحصاء وعدم إفلات شيء من أعمالهم أو إغفاله. وهي ما يعبر عنه بصحائف الأعمال التي يسجلها الكرام الكاتبون.
فالمراد ب (ما قَدَّمُوا) ما عملوا من الأعمال قبل الموت ؛ شبهت أعمالهم في الحياة الدنيا بأشياء يقدمونها إلى الدار الآخرة كما يقدم المسافر ثقله وأحماله.
وأما الآثار فهي آثار الأعمال وليست عين الأعمال بقرينة مقابلته ب (ما قَدَّمُوا) مثل ما يتركون من خير أو يثير بين الناس وفي النفوس.
والمقصود بذلك ما عملوه موافقا للتكاليف الشرعية أو مخالفا لها وآثارهم كذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أعمالهم شيئا».
فالآثار مسببات أسباب عملوا بها. وليس المراد كتابة كل ما عملوه لأن ذلك لا تحصل منه فائدة دينية يترتب عليها الجزاء. فهذا وعد ووعيد كلّ يأخذ بحظه منه.
وقد ورد عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوسلم بلغه أن بني سلمة أرادوا أن يتحوّلوا من منازلهم في أقصى المدينة إلى قرب المسجد وقالوا : البقاع خالية ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم» مرتين رواه مسلم. ويعني آثار أرجلهم في المشي إلى صلاة الجماعة.
وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد زاد : أنّه قرأ عليهم : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) فجعل الآثار عامّا للحسية والمعنوية ، وهذا يلاقي الوجه الثاني في موقع جملة (إِنَّا نَحْنُ