الحيّ لأخذ أنعامه وسبي نسائه ، فأطلق على ذلك الحلول فعل (تَأْخُذُهُمْ) كقوله تعالى : (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [الحاقة : ١٠] أي تحلّ بهم وهم يختصمون. وإسناد الأخذ إلى الصيحة حقيقة عقلية لأنهم يهلكون بصعقتها.
ويحتمل أن تكون الصيحة على حقيقتها وهي صيحة صائحين ، أي ما ينتظرون إلّا أن يصاح بهم صيحة تنذر بحلول القتل ، فيكون إنذارا بعذاب الدنيا. ولعلها صيحة الصارخ الذي جاءهم بخبر تعرّض المسلمين لركب تجارة قريش في بدر.
و (يَخِصِّمُونَ) من الخصومة والخصام وهو الجدال ، وتقدم في قوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) في سورة النساء [١٠٥] ، وقوله : (هذانِ خَصْمانِ) في سورة الحج [١٩]. وأصله : يختصمون فوقع إبدال التاء ضادا لقرب مخرجيهما طلبا للتخفيف بالإدغام.
واختلف القراء في كيفية النطق بها ، فقرأه الجميع بفتح الياء واختلفوا فيما عدا ذلك : فقرأ ورش عن نافع وابن كثير وأبو عمرو في رواية عنه (يَخِصِّمُونَ) بتشديد الصاد مكسورة على اعتبار التاء المبدلة صادا والمسكّنة لأجل الإدغام ، ألقيت حركتها على الخاء التي كانت ساكنة. وقرأه قالون عن نافع وأبو عمرو في المشهور عنه بسكون الخاء سكونا مختلسا (بالفتح) لأجل التخلص من التقاء الساكنين وبكسر الصاد مشدّدة. وقرأه عاصم والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر ويعقوب وخلف (يَخِصِّمُونَ) بكسر الخاء وكسر الصاد مشدّدة. وقرأه حمزة (يَخِصِّمُونَ) بسكون الخاء وكسر الصاد مخففة مضارع (خصم) قيل بمعنى جادل. وقرأ أبو جعفر (يَخِصِّمُونَ) بإسكان الخاء وبكسر الصاد مشددة على الجمع بين الساكنين.
والاختصام : اختصامهم في الخروج إلى بدر أو في تعيين من يخرج لما حلّ بهم من مفاجئات لهم وهم يختصمون بين مصدق ومكذب للنذير. وإسناد الأخذ إلى الصيحة على هذا التأويل مجاز عقلي لأن الصيحة وقت الأخذ وإنما تأخذهم سيوف المسلمين. وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) لإفادة تقوّي الحكم وهو أن الصيحة تأخذهم.
وفرع على (تَأْخُذُهُمْ) جملة (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أي لا يتمكنون من توصية على أهليهم وأموالهم من بعدهم كما هو شأن المحتضر ، فإن كان المراد من الصيحة صيحة الواقعة كان قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) كناية عن شدة السرعة بين الصيحة وهلاكهم ، إذ لا يكون المراد مدلوله الصريح لأنهم لا يتركون غيرهم بعدهم إذ الهلاك