لأهلكناهم ، يدل عليها قوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) أي نبقه حيا.
والنكس : حقيقته قلب الأعلى أسفل أو ما يقرب من الأسفل ، قال تعالى : (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) [السجدة : ١٢]. ويطلق مجازا على الرجوع من حال حسنة إلى سيئة ، ولذلك يقال : فلان نكس ، إذا كان ضعيفا لا يرجى لنجدة ، وهو فعل بمعنى مفعول كأنه منكوس في خلائق الرجولة ، ف (نُنَكِّسْهُ) مجاز لا محالة إلّا أنا نجعله مجازا في الإذلال بعد العزة وسوء الحالة بعد زهرتها.
و (الْخَلْقِ) : مصدر خلقه ، ويطلق على المخلوق كثيرا وعلى الناس. وفي حديث عائشة عن الكنيسة التي رأتها أم سلمة وأم حبيبة بالحبشة قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» ، أي شرار الناس.
ووقوع حرف (فِي) هنا يعين أن الخلق هنا مراد به الناس ، أي تجعله دليلا في الناس وهو أليق بهذا المعنى دون معنى في خلقته لأن الإنكاس لا يكون في أصل الخلقة وإنما يكون في أطوارها ، وقد فسر بذلك قوله تعالى : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) [الأعراف : ٦٩] أي زادكم قوة وسعة في الأمم ، أي في الأمم المعاصرة لكم ، فهو وعيد لهم ووعد للمؤمنين بالنصر على المشركين ووقوعهم تحت نفوذ المسلمين ، فإن أولئك الذين كانوا رءوسا للمشركين في الجاهلية صاروا في أسر المسلمين يوم بدر وفي حكمهم يوم الفتح فكانوا يدعون الطلقاء.
وقرأ الجمهور : (نُنَكِّسْهُ) بفتح النون الأولى وسكون النون الثانية وضمّ الكاف مخففة وهو مضارع نكس المتعدّي ، يقال : نكس رأسه. وقرأه عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح النون الثانية وكسر الكاف مشددة مضارع نكس المضاعف.
وفرّع على الجمل الشرطية الثلاث وما تفرع عليها قوله : (أَفَلا يَعْقِلُونَ) استئنافا إنكاريا لعدم تأملهم في عظيم قدرة الله تعالى الدالة على أنه لو شاء لطمس على أعينهم ولو شاء لمسخهم على مكانتهم ، وأنه إن لم يفعل ذلك فإنهم لا يسلمون من نصره المسلمين عليهم لأنهم لو قاسوا مقدورات الله تعالى المشاهدة لهم لعلموا أن قدرته على مسخهم فما دونه من إنزال مكروه بهم أيسر من قدرته على إيجاد المخلوقات العظيمة المتقنة وأنه لا حائل بين تعلق قدرته بمسخهم إلّا عدم إرادته ذلك لحكمة علمها فإن القدرة إنما تتعلق بالمقدورات على وفق الإرادة.