وسمع من قوله ، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر. قال أبو ذر : فما يقول الناس؟ قال : يقولون شاعر كاهن ، ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء ، قال أنيس : لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون» ثم اقتص الخبر عن إسلام أبي ذر ، ويظهر أن ذلك كان في أول البعثة.
ومثله خبر الوليد بن المغيرة الذي رواه البيهقي وابن إسحاق «أنه جمع قريشا عند حضور الموسم ليتشاوروا في أمر النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : إن وفود العرب ترد عليكم فأجمعوا فيه رأيا لا يكذب بعضكم بعضا ، فقالوا : نقول كاهن؟ فقال : والله ما هو بكاهن ، ما هو بزمزمته ولا بسجعه ، قالوا : نقول مجنون؟ فقال : والله ما هو بمجنون ولا بخنقه ولا وسوسته ، فذكر ترددهم في وصفه إلى أن قالوا : نقول شاعر؟ قال : ما هو بشاعر ، قد عرفت الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومبسوطه ومقبوضه وما هو بشاعر ...» إلى آخر القصة.
فمعنى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) : وما أوحينا إليه شعرا علمناه إياه.
وليس المراد أن الله لم يجعل في طبع النبي القدرة على نظم الشعر لأن تلك المقدرة لا تسمّى تعليما حتى تنفى وإنما يستفاد هذا المعنى من قوله بعده : (وَما يَنْبَغِي لَهُ) وسنتكلم عليه قريبا.
وقد اقتضت الآية نفي أن يكون القرآن شعرا ، وهذا الاقتضاء قد أثار مطاعن للملحدين ومشاكل للمخلصين ، إذ وجدت فقرات قرآنية استكملت ميزان بحور من البحور الشعرية ، بعضها يلتئم منه بيت كامل ، وبعضها يتقوّم منه مصراع واحد ، ولا تجد أكثر من ذلك فهذا يلزم منه وقوع الشعر في آي القرآن.
وقد أثار الملاحدة هذا المطعن ، فلذلك تعرض أبو بكر الباقلاني إلى دحضه في كتابه «إعجاز القرآن» وتبعه السكاكي وأبو بكر بن العربي ، فأما الباقلاني فانفرد بردّ قال فيه : إن البيت المفرد لا يسمّى شعرا بله المصراع الذي لا يكمل به بيت. وأرى هذا غير كاف هنا لأنه لا يستطاع نفي مسمّى الشعر عن المصراع وأولى عن البيت.
وقال السكاكي في آخر مبحث ردّ المطاعن عن القرآن من كتاب «مفتاح العلوم» :