وما حكي عن أنس بن مالك إن صحّ فإنما يعنى به بيت للصلاة خاص. ورأيت إطلاق المحراب على الطاقة التي في المسجد في كلام الفراء ، أي في منتصف القرن الثاني ، نقل الجوهري عنه أنه قال : المحاريب صدور المجالس ومنه سمي محراب المسجد ، لأن المحراب لم يبق حينئذ مطلقا على مكان العبادة.
ومن الغلط أن جعلوا في المسجد النبوي في الموضع الذي يقرّب أن يكون النبيصلىاللهعليهوسلم يصلي فيه صورة محراب منفصل يسمونه محراب النبي صلىاللهعليهوسلم وإنما هو علامة على تحري موقفه.
والذي يظهر أن المسلمين ابتدءوا فجعلوا طاقات صغيرة علامة على القبلة لئلا يضل الداخل إلى المسجد يريد الصلاة فإن ذلك يقع كثيرا ، ثم وسعوها شيئا فشيئا حتى صيروها في صورة نصف دهليز صغير في جدار القبلة يسع موقف الإمام ، وأحسب أن أول وضعه كان عند بناء المسجد الأموي في دمشق ، ثم إن الخليفة الوليد بن عبد الملك أمر بجعله في المسجد النبوي حين وسّعه وأعاد بناءه ، وذلك في مدة إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة حسبما ذكر السمهودي في كتاب «خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى».
والتماثيل : جمع تمثال بكسر التاء ، ووزنه تفعال لأن التاء مزيدة وهو أحد أسماء معدودة جاءت على وزن تفعال بكسر التاء ، وأما قياس هذا الباب وأكثره فهو بفتح التاء.
والأسماء التي جاءت على هذا الوزن منها مصادر ومنها أسماء ، فأما المصادر فأكثرها بفتح التاء إلّا مصدرين : تبيان ، وتلقاء بمعنى اللقاء. وأما الأسماء فورد منها على الكسر نحو من أربعة عشر اسما منها : تمثال ، أحصاها ابن دريد ، وزاد ابن العربي في «أحكام القرآن» عن شيخه الخطيب التبريزي تسعة فصارت خمسة وعشرين. والتمثال هو الصورة الممثلة ، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام فكان النحاتون يعملون لسليمان صورا مختلفة كصور موهومة للملائكة وللحيوان مثل الأسود ، فقد كان كرسي سليمان محفوفا بتماثيل أسود أربعة عشر كما وصف في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول. وكان قد جعل في الهيكل جابية عظيمة من نحاس مصقول مرفوعة على اثنتي عشرة صورة ثور من نحاس.
ولم تكن التماثيل المجسمة محرّمة الاستعمال في الشرائع السابقة ، وقد حرمها الإسلام لأن الإسلام أمعن في قطع دابر الإشراك لشدة تمكن الإشراك من نفوس العرب وغيرهم. وكان معظم الأصنام تماثيل فحرّم الإسلام اتخاذها لذلك ، ولم يكن تحريمها