بطلان الشرك فهو كالنتيجة لجملة (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سبأ : ٢٤].
والأمر في قوله : (أَرُونِيَ) مستعمل في التعجيز ، وهو تعجيز للمشركين عن إبداء حجة لإشراكهم ، وهو انتقال من الاحتجاج على بطلان إلهية الأصنام بدليل النظير في قوله: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ) إلى إبطال ذلك بدليل البداهة.
وقد سلك من طرق الجدل طريق الاستفسار ، والمصطلح عليه عند أهل الجدل أن يكون الاستفسار مقدّما على طرائق المناظرة وإنما أخّر هنا لأنه كان مفضيا إلى إبطال دعوى الخصم بحذافيرها فأريد تأخيره لئلا يفوت افتضاح الخصم بالأدلة السابقة تبسيطا لبساط المجادلة حتى يكون كل دليل مناديا على غلط الخصوم وباطلهم. وافتضاح الخطأ من مقاصد المناظر الذي قامت حجته.
والإراءة هنا من الرؤية البصرية فيتعدى إلى مفعولين : أحدهما بالأصالة ، والثاني بهمزة التعدية.
والمقصود : أروني شخوصهم لنبصر هل عليها ما يناسب صفة الإلهية ، أي أن كل من يشاهد الأصنام بادئ مرة يتبيّن له أنها خليّة عن صفات الإلهية إذ يرى حجارة لا تسمع ولا تبصر ولا تفقه لأن انتفاء الإلهية عن الأصنام بديهي ولا يحتاج إلى أكثر من رؤية حالها كقول البحتري :
أن يرى مبصر ويسمع واع
والتعبير عن المرئي بطريق الموصولية لتنبيه المخاطبين على خطئهم في جعلهم إياهم شركاء لله تعالى في الربوبية على نحو قول عبدة بن الطيب :
إن الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا |
وفي جعل الصلة (أَلْحَقْتُمْ) إيماء إلى أن تلك الأصنام لم تكن موصوفة بالإلهية وصفا ذاتيا حقا ولكن المشركين ألحقوها بالله تعالى ، فتلك خلعة خلعها عليهم أصحاب الأهواء.
وتلك حالة تخالف صفة الإلهية لأن الإلهية صفة ذاتية قديمة ، وهذا الإلحاق اخترعه لهم عمرو بن لحيّ ولم يكن عند العرب من قبل ، وضمير (بِهِ) عائد إلى اسم الجلالة من جملة (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) [سبأ : ٢٤].