وفي هذا الجواب تعريض بالتهديد فكان مطابقا للمقصود من الاستفهام ، ولذلك زيد في الجواب كلمة (لَكُمْ) إشارة إلى أن هذا الميعاد منصرف إليهم ابتداء.
وضمير جمع المخاطب في قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إما للرسول صلىاللهعليهوسلم باعتبار أن معه جماعة يخبرون بهذا الوعد ، وإما الخطاب موجه للمسلمين.
واسم الإشارة في هذا الوعد للاستخفاف والتحقير كقول قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة |
|
لنفسي إلّا قد قضيت قضاءها |
وجواب : (كُنْتُمْ صادِقِينَ) دل عليه السؤال ، أي إن كنتم صادقين فعيّنوا لنا ميقات هذا الوعد. وهذا كلام صادر عن جهالة لأنه لا يلزم من الصدق في الإخبار بشيء أن يكون المخبر عالما بوقت حصوله ولو في المضيّ فكيف به في الاستقبال.
وخولف مقتضى الظاهر في الجواب من الإتيان بضمير الوعد الواقع في كلامهم إلى الإتيان باسم ظاهر وهو (مِيعادُ يَوْمٍ) لما في هذا الاسم النكرة من الإبهام الذي يوجه نفوس السامعين إلى كل وجه ممكن في محمل ذلك ، وهو أن يكون يوم البعث أو يوما آخر يحلّ فيه عذاب على أئمة الكفر وزعماء المشركين وهو يوم بدر ولعل الذين قتلوا يومئذ هم أصحاب مقالة (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وأفاد تنكير (يَوْمٍ) تهويلا وتعظيما بقرينة المقام.
والميعاد : مصدر ميمي للوعد فإضافته إلى ظرفه بيانية. ويجوز كونه مستعملا في الزمان وإضافته إلى اليوم بيانية لأن الميعاد هو اليوم نفسه.
وجملة (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً) إمّا صفة ل (مِيعادُ) وإما حال من ضمير (لَكُمْ).
والاستئخار والاستقدام مبالغة في التأخر والتقدم مثل : استحباب ، فالسين والتاء للمبالغة.
وقدم الاستئخار على الاستقدام إيماء إلى أنه ميعاد بأس وعذاب عليهم من شأنه أن يتمنوا تأخره ، ويكون (وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) تتميما لتحققه عند وقته المعيّن في علم الله.
والساعة : حصة من الزمن ، وتنكيرها للتقليل بمعونة المقام.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى