بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ). وجيء بالمضارع فيها على نحو ما جيء في قوله : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) ليكون البيان كالمبيّن بها لاستحضار حالة القول لأنها حالة غريبة لما فيها من جرأة المستضعفين على المستكبرين ومن تنبه هؤلاء من غفلتهم عما كان المستكبرون يغرّونهم به حتى أوقعوهم في هذا المأزق.
والسين والتاء في (اسْتُضْعِفُوا) للعدّ والحسبان ، أي الذين يعدّهم الناس ضعفاء لا يؤبه بهم وإنما يعدّهم الناس كذلك لأنهم كذلك ويعلم أنهم يستضعفون أنفسهم بالأولى لأنهم أعلم بما في أنفسهم.
والضعف هنا الضعف المجازي وهو حالة الاحتياج في المهمات إلى من يضطلع بشئونهم ويذبّ عنهم ويصرّفهم كيف يشاء.
ومن مشمولاته الضعة والضراعة ولذلك قوبل ب «الذين استكبروا» ، أي عدّوا أنفسهم كبراء وهم ما عدّوا أنفسهم كبراء إلّا لما يقتضي استكبارهم لأنهم لو لم يكونوا كذلك لوصفوا بالغرور والإعجاب الكاذب. ولهذا عبّر في جانب الذين استضعفوا بالفعل المبنيّ للمجهول وفي جانب الذين استكبروا بالفعل المبني للمعلوم ، وقد تقدم في سورة هود.
و (لَوْ لا) حرف امتناع لوجود ، أي حرف يدل على امتناع جواب (أي انتفائه) لأجل وجود شرطه فعلم أنها حرف شرط ولكنهم اختصروا العبارة ، ومعنى : لأجل وجود شرطه ، أي حصوله في الوجود ، وهو حرف من الحروف الملازمة الدخول على الجملة الاسمية فيلزم إيلاؤه اسما هو مبتدأ. وقد كثر حذف خبر ذلك المبتدأ في الكلام غالبا بحيث يبقى من شرطها اسم واحد وذلك اختصار لأن حرف (لَوْ لا) يؤذن بتعليق حصول جوابه على وجود شرطه. فلما كان الاسم بعدها في معنى شيء موجود حذفوا الخبر اختصارا. ويعلم من المقام أن التعليق في الحقيقة على حالة خاصة من الأحوال التي يكون عليها الوجود مفهومة من السياق لأنه لا يكون الوجود المجرد لشيء سببا في وجود غيره وإنما يؤخذ أخصّ أحواله الملازمة لوجوده.
وهذا المعنى عبر عنه النحويّون بالوجود المطلق وهي عبارة غير متقنة ومرادهم أعلق أحوال الوجود به وإلّا فإن الوجود المطلق ، أي المجرد لا يصلح لأن يعلق عليه شرط.
وقد جاء في هذه الآية ربط التعليق بضمير «الذين استكبروا» فاقتضى أن المستضعفين ادّعوا أن وجود المستكبرين مانع لهم أن يكونوا مؤمنين. فاقتضى أن جميع أحوال