وجوه الإعجاز أن يكون الكلام الواحد صالحا لغرضين وأن يتوجه إلى طائفتين.
ولما كان هذا الثاني موجها إلى المؤمنين أشير إلى تشريفهم بزيادة قوله : (مِنْ عِبادِهِ) أي المؤمنين ، وضمير (لَهُ) عائد إلى (مِنْ) ، أي ويقدر لمن يشاء من عباده. ومفعول (يَقْدِرُ) محذوف دلّ عليه مفعول (يَبْسُطُ).
وكان ما تقدم حديثا عن بسط الرزق لغير المؤمنين فلم ينعموا بوصف (مِنْ عِبادِهِ) لأن في الإضافة تشريفا للمؤمنين ، وفي هذا امتنان على الذين يبسط عليهم الرزق بأن جمع الله لهم فضل الإيمان وفضل سعة الرزق ، وتسلية للذين قدر عليهم رزقهم بأنهم نالوا فضل الإيمان وفضل الصبر على ضيق الحياة.
وفي تعليق (لَهُ) ب (يَقْدِرُ) إيماء إلى أن ذلك القدر لا يخلو من فائدة للمقدور عليه رزقه ، وهي فائدة الثواب على الرضى من قسم له والسلامة من الحساب عليه يوم القيامة. وفي الحديث «ما من مصيبة تصيب المؤمن إلّا كفّر بها عنه حتى الشوكة يشاكها».
ولو لا هذا الإيماء لقيل : ويقدر عليه ، كما قال : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) [الطلاق : ٧]. وأما حال الكافرين فإنهم ينعم على بعضهم برزق يحاسبون عليه أشد الحساب يوم القيامة إذ لم يشكروا رازقهم ، ويقدر على بعضهم فلا يناله إلّا الشقاء. وهذا توطئة لقوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) حثا على الإنفاق. والمراد الإنفاق فيما أذن فيه الشرع.
وهذا تعليم للمسلمين بأن نعيم الآخرة لا ينافي نعيم الدنيا ، قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) [البقرة : ٢٠١ ، ٢٠٢]. فأما نعيم الدنيا فهو مسبب عن أحوال دنيوية رتبها الله تعالى ويسّرها لمن يسّرها في علمه بغيبه ، وأما نعيم الآخرة فهو مسبب عن أعمال مبينة في الشريعة وكثير من الصالحين يحصل لهم النعيم في الدنيا مع العلم بأنهم منعّمون في الآخرة كما أنعم على داود وسليمان وعلى كثير من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم وكثير من أئمة الدين مثل مالك بن أنس والشافعي والشيخ عبد الله بن أبي زيد وسحنون.
فأما اختيار الله لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم حالة الزهادة في الدنيا فلتحصل له غايات الكمال من التمحّض لتلقي الوحي وجميل الخصال ومن مساواة جمهور أصحابه في أحوالهم ، وقد بسطناه بيانا في رسالة طعام رسول الله عليهالسلام. وأعقب ذلك بترغيب الأغنياء في