لجائزة الشاعر ، وحلوان الكاهن ؛ فلما نفيت عنه تلك الخلال لم يبق لهم في الكنانة سهم طعن ، إلا أن يزعموا أنه يطلب أجرا على الإرشاد فقيل لهم : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) إن كان بكم ظنّ انتفاعي منكم بما دعوتكم إليه ، فما كان لي من أجر عليه فخذوه. وهذه طريقة بديعة في الكناية التهكمية عن عدم انتفاعه بما يدعوهم إليه بأن يفرض كالواقع ثم يرتب عليه الانكفاف عنه ورد ما فات منه ليفضي بذلك إلى البراءة منه ومن التعرض له ، فهي كناية رمزية وأنهم يعلمون أنه لم يسألهم أجرا (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [ص : ٨٦ ، ٨٧] أو إن كنت سألتكم أجرا فلا تعطونيه ، وإن كنتم أعطيتم شيئا فاستردّوه ، فكنّي بهذا الشرط المحقّق انتفاؤه عند انتفاء أن يكون طالبا أجرا منهم على حدّ قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : ١١٦]. وهذا ما صرح به عقبه من قوله (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ، فجيء بالشرط بصيغة الماضي ليدلّ على انتفاء ذلك في الماضي فيكون انتفاؤه في المستقبل أجدر ؛ على أن وقوعه في سياق الشرط يقضي بانتفائه في المستقبل أيضا. وهذا جار مجرى التحدّي لأنه لو كان لجماعتهم أو آحادهم علم بأنه طلب أجرا منهم لجاروا حين هذا التحدّي بمكافحته وطالبوه بردّه عليهم.
وينتقل من هذا إلى تعين أن ما دعاهم إليه لا ينتفع به غيرهم بالنجاة من العذاب ، وقد تكرر في القرآن التبرؤ من أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم يريد منهم أجرا أو يتطلب نفعا لأن انتفاء ذلك ما يلاقيه من العناء في الدعوة دليل أنه مأمور بذلك من الله لا يريد جزاء منهم.
و (ما) يجوز أن تكون شرطية ، و (مِنْ أَجْرٍ) بيانا لإبهام (ما) وجملة (فَهُوَ لَكُمْ) جواب الشرط. ويجوز أن تكون (ما) نافية. وتكون (مِنْ) لتوكيد عموم النكرة في النفي ، وتكون الفاء في قوله : (فَهُوَ لَكُمْ) تفريعا على نفي الأجر ، وضمير «هو» عائدا على القرآن المفهوم من المقام ومن تقدم قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) [سبأ : ٤٣] أي فهذا القرآن لفائدتكم لا لفائدتي لأن قوله : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) يفيد أن لا فائدة له في هذه الدعوة. ويكون معنى الآية نظير معنى قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [ص : ٨٦ ، ٨٧].
والأجر تقدم عنه قوله تعالى : (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) في سورة القصص [٢٥].
وجملة (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال مقدر أن يسأل