أصبح الإنسان يضع يده في كل يوم على معجزة جديدة في كتاب الله ، يظهر عظمة الخالق ، ويدل الناس على أن هذا القرآن من كلامه لا من كلام البشر.
ولا أدري إلى أي مدى سيصل الإنسان في المستقبل من حيث العلوم والمكتشفات ، ولكنني على يقين بأنه كلما تقدمت به العلوم ، سيضع يده على معجزة جديدة في كتاب الله ، كان في غفلة تامة عنها ، ليعيش الإنسان ، في كل زمان ومكان ، مع المعجزة القرآنية ، آية بينة ، لا لبس فيها ولا غموض ، تدل على أن هذا الكتاب من عند الله ، ليبقى التحدي بهذا الكتاب الكريم ، قائما لأهل الأرض جميعا ، إلى يوم القيامة ، يرشدهم إلى خالقهم ، ويدلهم على قدرته وعظمته.
وهذا أيضا نوع من أنواع الإعجاز في نظري ، إذ من الإعجاز ، بل من أعظم أنواع الإعجاز وأظهرها ، أن يكون القرآن الكريم معجزا لكل إنسان ، في كل زمان ومكان ، مهما ازدهرت الحضارة ، وتقدمت العلوم ، وزادت المكتشفات ، وتباينت الثقافات.
وهذا معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
وإنني ومنذ أمد بعيد ، أعد العدة للكتابة في موضوع المعجزة القرآنية ، في أبرز جوانبها الثلاثة ، وهي الإعجاز اللغوي ، والإعجاز الغيبي ، والإعجاز العلمي ، إلا أنني كلما أقدمت على الكتابة وجدت أن الأمر أوسع مما كنت أتصور ، وأنه يحتاج إلى طاقة أكبر ، وأفق أوسع ، ولا سيما بالنسبة للإعجاز اللغوي ـ الذي أظن والله أعلم أنه يحتاج لكتابة أدق وأوسع وأشمل من كثير مما كتب عنه ـ ولذلك كنت أحجم عن الكتابة في هذا الموضوع العظيم ، ثم بدا لي أن أبدأ بالكتابة عن المعجزة القرآنية في الجانبين الذين يمكن لأهل العصر استيعابهما وهضمهما ، دون التوقف على معرفة اللغة ، وأساليب البلاغة والبيان ، وهما جانبا الإعجاز الغيبي والعلمي ، مع التمهيد بمقدمة أبين فيها معنى