وعرفنا أن تلك المعجزات قد ذهبت بذهاب النبي أو الرسول ، لكونها مادية ، لا تظهر إلا على يده ، ولم يبق منها إلا الخبر اليقيني عنها ، وهذا كاف للإيمان بها ، بالنسبة لنا نحن المؤمنين ، ولكنه ليس كافيا لدعوة الناس إلى الإيمان ، لأن الخبر عن المعجزة ليس كالمعجزة.
ولذلك كان لا بد لكل نبي أو رسول من المعجزة الدالة على صدقه ، ولو كان الخبر عن معجزة النبي السابق متواترا ، فليس الخبر كالمعاينة.
وكنا نحدّث عن المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهي القرآن الكريم.
وكنا نقرأ كيف كان الناس يعاينون تلك المعجزة ، ويتأثرون بحلاوتها وطلاوتها ، ومن ثم يؤمنون عن طريق الإعجاز اللغوي فيها ، كما قرأنا ما وصفها به المشركون من العبارة الشيقة الرشيقة ، التي أعلنوا فيها وبكل صراحة أن القرآن ليس من قول البشر ، كعتبة ابن ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، وغيرهما من فصحاء العرب وبلغائهم.
إلا أننا ومع الأسف ، ولبعدنا عن لغة العرب وجهلنا بها ، لم نتذوقها كما تذوقوها ، بل أكثر الناس اليوم لا يدركها.
وامتدت بنا الأيام ، وأدركنا التيارات الفكرية المادية والدينية تتصارع في ميدان النظر ، وأدركنا أنه لا بد لنا من الاستناد إلى المعجزة القرآنية ، وهي المعجزة الباقية الخالدة لنبيناعليهالسلام ، ولهذا الدين.
ولكننا لم نجد السبيل من حيث اللغة إليها ، إما لأننا لا نتذوقها لجهلنا بلغة العرب وبعدنا عنها ، وإما لأن المخاطب لا يعرف هذه اللغة أصلا ولا يتذوقها ، وفي كلا الحالين لا سبيل إلى الاستدلال بهذه المعجزة من حيث اللغة إلا نظريا ، بواسطة إخبار القرآن عنها ، ووقوع التحدي بها ، وتواتر الخبر عن عجز العرب وغيرهم عن معارضتها.
وكون قلة قليلة من الناس ـ ولا سيما في هذا العصر ـ ممن أوتي بسطة من العلم ، في علوم العربية ، قد تدرك وجه الإعجاز ، ومن ثم يكتب بعضهم عنه ،