كما فعل كثير من علماء أمتنا في شتى العصور ، فإن هذا أيضا ليس بكاف ـ لمن لا يعرف العربية من عرب وغيرهم ـ للتسليم بها ضرورة ، ولئن وقع التسليم لبعضهم فإنما هو عن طريق النظر ، لا عن طريق التذوق ، كما كان يقع للعرب حين نزول القرآن.
لكننا نعلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم للنبوة ، ورسالته هي الرسالة الخاتمة للرسالات ، وأنها باقية إلى يوم القيامة ، وعامة لكل الأمم ، في كل زمان ومكان ، ولذلك كان لا بد للمعجزة من البقاء ، ليعاينها كل من آمن أو دعي إلى الإيمان إلى يوم القيامة.
ومن أجل هذا كانت المعجزة القرآنية مشتملة على عدد من أنواع الإعجاز ، إلى جانب الإعجاز اللغوي ، الذي عاينه العرب وآمنوا عليه ، يستطيع الناس بواسطتها أن يعاينوا المعجزة ، ويتذوقوها ، ويؤمنوا عليها ، ولو كانوا لا يتذوقون لغة العرب ، فلئن فاتهم الإعجاز اللغوي ، فلن تفوتهم وجوه الإعجاز الأخرى أو بعضها.
وأنواع الإعجاز هذه ، التي اشتمل القرآن عليها ، لم تظهر دفعة واحدة ، وإنما كانت تظهر تباعا حسب مقتضيات الأحوال ومعارف البشر واحتياجاتهم.
فالإعجاز اللغوي ظهر وانتشر بمجرد نزول القرآن.
وأما الإعجاز الغيبي مثلا فقد ظهر بنزول الآيات التي أنبأت عن غيب وقع أو سيقع ، وأثبتت الأيام والوقائع صدق ما أخبر به القرآن ، وذلك كالإعجاز الغيبي في سورة الروم مثلا ، فإنه لم يظهر بمجرد نزول الآيات المخبرة عن انتصار الروم على الفرس ، وإنما ظهر بعد عدد من السنوات ، حيث انتصر الروم على الفرس فعلا في بضع سنين ، كما أخبر القرآن ، مما لفت نظر الناس كافة لفتة جديدة إلى القرآن.
والإعجاز العلمي المنتشر في كثير من سور القرآن وآياته ، لم يظهر دفعة واحدة ، وإنما ظهر تباعا ، ليكون القرآن دائما وأبدا معجزة ظاهرة ، وآية بينة ، كلما ألف الناس ما فيه من المعجزة ، وفترت هممهم عنها لإلفهم لها ، ظهرت