معجزة جديدة تلفت نظرهم إليه ، وتدلهم عليه ، فتجدد هممهم ، وتبعث نشاطهم ، وهكذا ...
لقد جاء العصر الحديث ، مع الإنسان الحديث ، بمعارفه الحديثة التي اكتشفت الذرة ، ثم حطمتها .. وأدركت جاذبية الأرض ، ثم خرجت منها ، وعرفت القمر ونزلت عليه ، وأرسلت سفن الفضاء إلى كثير من كواكب المجموعة الشمسية ، بعد أن كشفت عن الكثير من أسرارها ، وعرفت عمر الأرض ، وكشفت عن أحقابها الجيولوجية ، ووضعت يدها على جميع أو معظم عناصرها ، وسخرتها لخدمتها ، وكل هذا كان في أغلب الأحيان على يد أناس لا يمتون إلى الإيمان بصلة ، بل في كثير من الأحيان كان الكثير منهم يهزأ من الإيمان ، والغيب ، والألوهية ، والنبوة.
وأخذ فلاسفة الإلحاد هذه النتائج العظيمة التي وصل إليها الإنسان الحديث ، ليجعلوا منها وسيلة لفلسفة الإلحاد بقولهم : إننا كنا قبل الكشف عن هذه الحقائق العلمية مضطرين للإيمان بالله ونسبة الحوادث إليه ، أما وقد عرفنا السبب والمسبب ، والعلة والمعلول ، عن طريق العلم اليقيني ، فلم نعد بحاجة اليوم إلى عزو هذه الظواهر التي كنا نراها إلى قدرة الله ...
وهكذا صارت للإلحاد فلسفة ظاهرة مستندة إلى العلوم المادية المعاصرة ، يرجع الفلاسفة إليها ، ويحيلون في النظر والحجاج عليها.
وهذه الفلسفة وإن كانت أوهى من بيت العنكبوت ، وقائمة على التمويه ، والتدليس ، والخداع ، بقصد ، أو بغير قصد لضيق الأفق ، أو العجز عن المحاكمة ، أو تغليب الشهوة والهوى والاستسلام لهما ، إلا أنها أمر واقع ، لا يجوز التهاون به ، بل يجب كشفه وبيانه ، ودحضه وإبطاله (١).
وتعالت صيحات الإنكار على الدين في أوروبا والغرب ، لاكتشافهم أن
__________________
(١) انظر : كتابنا الدين والعلم والذي عالجنا فيه هذا الموضوع بخصوصه ، وبلغة الفلاسفة المعاصرين أنفسهم.