الإسلام من فحول الشعراء والبلغاء العدد الكبير ، والجم الغفير ، كجرير ، والفرزدق ، والأخطل ، وأبي تمام ، والبحتري ، والمتنبي ، وأبي علاء المعري ، وابن المقفع ، إلى جانب الكثير من أمثال هذه الطبقة؟.
ولم يبلغنا عن واحد منهم أنه قال : إن مواهبه معطلة ، بل كلنا نعلم أنهم كانوا على رهان دائم في ميدان البلاغة والبيان ، في الشعر والنثر ، حتى خيل لبعضهم أنه يلقى عليه الإلهام الشعري ، مما برّز فيه من البيان الفني.
وما يقال فيمن عاصر القائل بالصرفة من الشعراء ، يقال فيمن عاصر نزول القرآن منهم ، فلقد قيل الشعر في كل الأغراض الشعرية في زمن نزول القرآن ، كما كان الحال قبل القرآن ، ولم تتغير في شاعر ممن لم يسلم ملكته ، بل كانوا ما زالوا متمتعين بها ، ولكنهم كانوا يعترفون بإعجاز القرآن ، على ما عرفناه في هذا البحث أيضا بالتفصيل والبيان.
ولنفترض جدلا أن مواهبهم قد تعطلت عن المعارضة ، ولكن لننظر في كلامهم السابق الذي كان لا يقل ـ في زعم القائل بالصرفة ـ عن القرآن بلاغة ، هل كان يجاري القرآن في بلاغته وإعجازه ...؟.
إذا كان كذلك ، فالقرآن إذن لم يأت بشيء معجز جديد ، وبناء على ذلك فلا تحدي ، ولا داعي للتحدي.
إلا أن الواقع يقول : إن الأمر ليس كذلك ، وذلك أنه ما من عربي سمع القرآن ، إلا وأدرك الفرق الشاسع بين كلام كل من نطق بالعربية من شاعر وناثر ، وبين كلام القرآن ، وأسلوبه ، وبلاغته ، مما هو معروف بالتواتر ، ومما جعل فحول شعراء الجاهلية ، وأعظم العارفين بشعر العرب ونثرهم ، يقر بهذه الحقيقة ، ويعترف بأن أسلوب القرآن وبلاغته مما لم ينظم العرب على منواله ، ولا اقتربوا من بيانه وإعجازه ، على ما نقلناه وبيناه في مكانه.
ومما يبين هذا ، ويجعله يقينيا هو أنه ما من شاعر إلا وقد عيب عليه شيء من شعره ، إما في قوانين الشعر ، وإما في صوره وخيالاته ، وتعليلاته وتحليلاته ،