فإنّ التسوية بين العنوانين أمر مشكل ، يقول السرخسي :
لا يجوز استعمال القياس في إلحاق النبّاش بالسارق في حكم القطع ، لأنّ القطع بالنصّ واجب على السارق ، فالكلام في إثبات السرقة حقيقة ، وقد قدّمنا البيان في نفس التسوية بين النبّاش والسارق في فعل السرقة. (١)
والحاصل : أنّ هناك فرقاً واضحاً بين فردين من طبيعة واحدة ، فيصحّ إسراء حكم الفرد إلى الفرد الآخر لغاية اشتراكهما في الإنسانية ، وأنّ حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد ، لكن بشرط أن يثبت أنّ الحكم من لوازم الطبيعة لا الخصوصيات الفردية.
وأمّا المتشابهان فهما فردان من طبيعتين كالإنسان والفرس يجمعهما التشابه والتضاهي في شيء من الأشياء ، فهل يصحّ إسراء حكم نوع إلى نوع آخر؟ كلّا ، ولا ، إلّا إذا دلّ الدّليل على أنّ الوحدة الجنسية سبب الحكم ومناطه وملاكه التام.
١٢. تخريج المناط
إذا قضى الشارع على حكم في محل من دون أن ينصّ بمناطه ، مثلاً : إذا حرّم المعاوضة في البُرّ إلّا مثلاً بمثل ، فهل يصحّ تعميم الحكم إلى الشعير وسائر الحبوب بمناط أنّ الجميع مكيل أو موزون أو لا؟ وهذا هو بيت القصيد في القياس ، فلو أمكن للمستنبط استخراج العلّة التامة للحكم فله أن يقيس ، لأنّ المعلوم أي الحكم لا يتخلّف عن علّته. إنّما الكلام في كون المجتهد متمكّناً من استخراج مناط الحكم من الدليل استخراجاً قطعياً لا ظنياً ، إذ لا عبرة بالظن ما
__________________
(١) أُصول السرخسي : ١٥٧ / ٢.