أقول : أمّا الحديث الأوّل فيدلّ على وجود طائفة ظاهرين بالحقّ من أُمّته ، ولكن من أين نعلم أنّهم هم الصحابة؟ فإنّ الإخبار عن الكبرى لا تثبت الصغرى ، أي كون القائمين بالحقّ هم الصحابة ، فليكن هؤلاء ، التابعين لهم بإحسان أو تابعي التابعين وليس في الرواية ما يدلّ على اتصال زمانهم بزمان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
وأمّا الحديث الثاني فيدلّ على وجود القائم بالحقّ بين الأُمّة في كلّ الأزمنة والأعصار لا الناطق بالحقّ ، وشتان ما بين القائم بالحقّ والناطق بالحقّ ، والقائم بالحقّ بطبيعة الحال يكون ناطقاً ، ولكن ربما يكون مضطراً للسكوت خوفاً من حكّام الجور ، فلا يكون سكوت الأُمّة دليلاً على إصابة الصحابي الناطق وكونه القائم بالحقّ.
وعلى كلّ تقدير فالحديث الثاني يدلّ على حجّية قول شخص واحد لا عامة الصحابة والتابعين ، وأين هذا من حجّية أقوال وآراء عامة الصحابة؟!
وجود المخالفة بين الصحابة
إنّ تاريخ التشريع حافل بنماذج كثيرة من مخالفة صحابي لصحابي آخر حتى بعد سماع كلامه وقوله ، فلو كان قول الصحابي نتاجاً للسماع لما جاز لآخر أن يخالفه ويقدّم رأيه على قوله ، فإنّه يكون من قبيل تقديم الرأي على النصّ ، وهذا يعرب على أنّ قول الصحابي لا يساوق سماعه عن النبي ، بل أعمّ منه بكثير ، وهذا هو الذي يسوغ وجود المخالفة بينهم ، فمثلاً :
كان أبو بكر وعمر وعبد الله بن عباس يرون قول الرجل لامرأته : أنت عليّ حرام ، إيلاء ويميناً ، وفي الوقت نفسه كان ابن مسعود يراه طلقة واحدة ، وكان زيد